الأمر الخامس مما يعاب: الإكثار من النكت والطرائف: وذلك أن النكتة -كما سلف- وسيلة وليست غاية، ولهذا ينبغي أن تكون كالملح في الطعام، يقول الإنسان منها قدراً مقتصداً، ليس مطلوباً من الإنسان أن تُرى أسنانه مبتسماً، هذا ليس من الأخلاق المحمودة في الشرع، وليس المطلوب من الإنسان أن يكون كلامه هزلاً كله، ونكتاً وطرائف لا يقصد منها إلا الإضحاك المجرد.
فالمحمود من هذه النكت والطرائف: هو ما سلم من المحاذير، والمآخذ الشرعية التي أسلفت سابقاً، وما كان وسيلة وليست غاية، وهذا ضابط جيد؛ أن تكون النكتة وسيلة، فأنت -مثلاً- تريد أن توصل علماً إلى الناس، أو توصل دعوة، أو تأمر بخير، أو أن توجه، لكنك تستخدم النكتة -أحياناً- لإزالة السأم والملل، أو لشيء من الترفيه، ثم تعود إلى ما أنت فيه.
أما أن تكون النكتة مقصودة لذاتها فهي مذمومة، فمثلاً مجموعة من الشباب يجتمعون، ثم يبدأ كل واحد يأتي بنكتة، ويتنافسون أيهم يأتي بنكتة أحسن، فيأتي بهذا وهذا حتى يضحك الجميع، وتتقطع أكبادهم من شدة الضحك، ويستلقون على ظهورهم، ويجلسون ساعات على هذا النمط، ثم يقومون ويأوي كل واحد منهم إلى فراشه صفر اليدين، إلا من الإثم وضياع العمر فيما لا يفيد، وهذا مذموم لاشك فيه؛ لأن الإنسان لا ينبغي له أن يعبث بحياته بهذه الصورة.