الفائدة الثانية: أن هذه النكت والطرائف متى كانت في حدود الاعتدال، تشحذ الذهن وتجدد نشاطه، وتقوي الهمة، فيعود الإنسان بهمة جديدة وبعزيمة قوية، ولذلك يقول الإمام الأصمعي ويروى عن هارون الرشيد، أنه كان يقول: النوادر تشحذ الأذهان وتفتح الآذان.
تشحذ الأذهان أي: تشحذ العقل لتلقي العلم، وفهمه وحفظه وضبطه، وتفتح الآذان: فبدلاً من أن الإنسان معرض تجعل أذنه مفتوحة للعلم، وربما نكتة أو طرفة قالها إنسان، فكانت سبباً في سماع الموعظة والإقبال عليها، ولذلك تجد الناس الآن -مثلاً- لو بدأ شخص ما حديثه بنكتة أو طرفة، أو كتب مقالاً أو كتاباً، فكان أول ما فيه عبارة عن قصة، تجد أن كل إنسان يقرأ هذا الكتاب كاملاً، لأنه بدأ بحكى، أو قال، أو روي، أو كنت، فإذا عرف أن البداية تتعلق بقصة أو خبر؛ تجده انشدَّ وقرأ، فإذا قرأ القصة انساق مع ما بعدها.
وهذه من الحيل اللطيفة التي يتحايل بها العالم، أو الداعية أو المرشد أو الواعظ؛ للوصول إلى قلوب الناس، حيث تشده إلى المقصود، أو تتحيل عليه بطريقة حسنة.
وهذا من الأمور التي هي موجودة الآن في المدارس الغربية في التربية، حدثني أحد الشباب الذين درسوا في تلك المدارس، يقول: كان الأستاذ إذا دخل لابد أن يبدأ درسه بنكته، فإذا كانت النكتة باردة، أو لم تنفتح لها نفوس الطلاب؛ أتاح لأحد الطلاب أن يقدم لزملائه نكتة، فإذا انبسطوا وابتسموا بعد ذلك بدأ درسه، فتكون القلوب مقبلة نشطة، وإذا شعر بالملل توقف ثم جدد وهكذا.