النقطة الثانية: ما هي أسماء الطرفة أو النكتة عند الناس؟ إضافة إلى هذين الاسمين، فإن لهما أسماء متداولة عند الناس منها: النوادر، فيقولون: نوادر فلان، أو يقولون: نوادر القضاة، نوادر العلماء، نوادر السلاطين، نوادر المجانين، نوادر المغفلين، وغير ذلك، فيسمونها (نوادر) وهي جمع نادرة وهو الأمر الغريب، يقال: هذا شيء نادر أي: قليل؛ لأنه ليس كل كلمة تقال تستثير الناس وتعجبهم، إنما يعجبهم الكلمة بعد الكلمة، والعادة في الناس أن يكون فيهم ثقل وعقل ووقار، فليس يضحكهم كل شيء، إنما يضحكهم الأمر الذي يستدعي الضحك، وإلا فإنه يلام الإنسان فيقال: يعجب من غير عجب، ويضحك من غير سبب، فإذا كان الإنسان مضحاكاً لا يكاد يسد فمه عن ضحك، فإن هذا يعتبر عيباً فيه، وقلة في عقله، ودليلاً على جهله، ولهذا سميت بالنوادر.
وقد يقال لها: المُلَح أيضاً، وهي جمع مُلحة بضم الميم وهي كسابقتها.
وقد تسمى اللطائف: جمع لطيفة وهو الشيء الغريب، الذي يتسلل إلى النفس وإلى القلب: والعرب تسمي النكت واستخدامها تسميه إحماضاً، وهذه التسمية لها دلالة قوية، كان ابن عباس رضي الله عنه يوماً جالساً في ملأٍ من أصحابه فقال لهم: [[أحمضوا أحمضوا]] معنى أحمضوا: أي اتركوا الجد وقتاً، وانتقلوا إلى شيء من الهزل.
وليس بالضرورة أن الهزل يعني النكت، قد يكون الهزل شعر العرب في الجاهلية، أو قصصاً، أو أخباراً، أو ما أشبه ذلك مما يذهب السآمة والملل عن النفس.
فقال لهم: (أحمضوا) والإحماض كما قالوا: بأنهم إذا أفاض الناس أو القوم فيما يؤنسهم من الكلام سمي هذا إحماضاً، وهو مشتق من إحماض الإبل، الحمض الذي ترعاه الإبل نوع من النبات، إذا رعت الإبل النباتات المعهودة التي تحبها تمل منها وتسأم، فتأخذ شيئاً يسيراً من الحَمض، فإذا أكلته رجعت إلى ما كانت تعهد من النبات، كان شيئاً يسيراً لا تكثر منه الإبل.
وهكذا الإحماض أن الإنسان ينتقل إلى التسلية وإلى المرح وإلى الدعابة أحياناً يسيرة، ثم يعود إلى ما هو عليه من الجد، لا يوهن ويسترسل في موضوع الطرائف والنكت حتى تكون هي الغالبة عليه، وإنما ينتقل إليها شيئاً يسيراً حتى يقوي عزيمته ويجددها، ثم يعود إلى ما كان عليه، هذه بعض أسمائها.