ماهية النكت

النكت والطرائف: النكت: جمع نكتة، فمن أين اشتقت النكتة في اللغة العربية؟ هذه دردشة خفيفة حول الأصل اللغوي، من خلال قراءتي لكتاب لسان العرب وما ذكر فيه ابن منظور، وجدت أنه يمكن أن نقول: إن النكت مشتقة من أحد ثلاثة معان: إما أن تكون مشتقة من (النَّكْت) وهو الضرب في الأرض بعود أو غيره بحيث يؤثر فيه، جاء في أحاديث كثيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم {كان ينكت الأرض بعود في يده} يعني يضرب به الأرض فيظهر أثره على الأرض، وإذا كان اشتقاقها من هذا المعنى فهو دليلٌ على أن الأصل في النكت أنها مذمومة، لأنها تؤثر في القلب وفي النفس، كما يؤثر هذا العود في الأرض، فيحدث فيه ندوباً وآثاراً، فكذلك بعض النكت أو كثيرٌ منها تحدث في النفس نكتاً وندوباً وآثاراً، فلذلك سميت بالنكت.

ويحتمل أن تكون مشتقة من (النَّكْت) وهو الطعن في الناس، يقال: هذا رجل نكات إذا كان طعاناً في الناس، وأيضاً إذا كان اشتقاقها من هذا المعنى؛ فذلك لأن كثيراً من النكت يكون المقصود بها الطعن في فلان أو فلان، أو العائلة الفلانية، أو القبيلة الفلانية، أو البلد الفلاني، أو ما أشبه ذلك، فتكون مذمومة على هذا الاشتقاق إجمالاً أيضاً.

أما الاحتمال الثالث: وهو الأقوى والأظهر والأرجح، فهو: أن تكون مأخوذة من (النَّكْت) وهو النقط، يُقال: نكت بمعنى نقط، ويُقال: نكتة أي نقطة، فهي النقطة في الشيء التي تكون مخالفة للونه، للون أرضه وعامته وغالبه، ومن ذلك: قول النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم في حديث حذيفة: {تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عوداً عوداً -وفي رواية- عَوْداً عَوْداً فأيما قلبٍ أشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأيما قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء} فقوله نكتت أي: نقطت ووضعت فيه نقطة سوداء أو نقطة بيضاء.

وعلى هذا الاشتقاق؛ فإن هذا يدل على أن النكت ينبغي أن تكون قليلة، كما سبق في موضوع المزاح تكون كالملح في الطعام، فتكون مثل النقط المنتشرة المغايرة للون الأصل، بمعنى أن الأصل فيك يجب أن يكون هو الجد، والكلام المفيد، وأما النكت فهذه استثناءات عارضة مخالفة للون الأصل الذي أنت عليه، فالأصل عندك الجد، ولكنك تمزح أحياناً بهذه النكت كما سبق.

الجد شيمته وفيه دعابة حيناً ولا جدٌ لمن لا يهزل أما الطرائف: فهي أخف شأناً، وأظهر من حيث الاشتقاق اللغوي، فإنها جمع طرفة، وهي تحتمل أيضاً معنيين أو أكثر، ومن مراجعتي أيضاً لكتاب تهذيب اللغة للأزهري، تبين لي أنه من الممكن أن تُرجع إلى أحد معنيين: أولهما: أن ترجع إلى الطَّرف، والطرف هو النظر أو البصر، ولذلك يقول الناس: طرفه، يعني إذا أصيبت العين، إذا ضرب إنسان آخر بيده أو بثوبه أو بشيء، يقال طَرَفه أي: أصاب طرفه، ويقال طُرفة: أي: إصابة العين تسمى طرفة، ويقال: رجل مطروف، وهذا معروف، إذاً على هذا الاشتقاق أيضاً تكون الطرفة الأصل أنها مذمومة، لأنها قد تؤثر فيمن تقال له، كما تؤثر الإصابة في العين، فإما أن تصيبها بالعمى، أو قد تصيبها بالاحمرار وغير ذلك من العوارض.

الاحتمال الثاني: وهو الأرجح والأصح والأقوى؛ أن تكون الطرفة مشتقة من قولهم: فلان ما له شيء طارف ولا تليد، ويعنون بالطارف الجديد، وبالتليد القديم، تقول: هذا من طريف مالي أي: من جديده ومستحدثه، وهذا من تلاده أي: من قديمه وموروثه، فالطارف عند العرب أو الطريف: هو الجديد، ومنه قول الإمام الأزهري في تهذيب اللغة يقول: سمعت أعرابياً يقول لآخر وقد قدم من سفر: هل وراءك طريفة خبر تطرفنا؟ فقوله: طريفة خبر يعني خبراً جديداً تتحفنا به، ومن ذلك أيضاً قولهم في المثل: (هل عنده من مغربة خبر) أي: من خبر غريب جديد، لكن الطريف مثل قولهم: أطرف فلاناً بكذا إذا أعطاه شيئاً جديداً ليس عنده، مثل لو أتيت لإنسان -مثلاً- بحلوى لم يتعود أن يشتريها، تقول: هذه طرفة أهديتها له، ويقول الناس: فلان قد أطرف فلاناً، أي: أعطاه طرفة وشيئاً جديداً غريباً غير معتاد، وهو هذه الحلوى التي يأكلها أو ما أشبه ذلك.

وهذا معروف عند العامة -عندنا- فيوم كان اللحم قليلاً عند الناس لا يكاد يوجد، كانوا إذا أتى أحدهم باللحم يسميه طريفة، أي: شيئاً طريفاً قليلاً لا يكاد يوجد إلا في الشهر مرة أو في الشهرين مرة، فهو أمر نادر عندهم، وجديد وغريب، وهو محبوب لهم أيضاً ولذلك سمي طريفاً، ومن هذا تشتق الطرفة وذلك: أولاً: لأنها خبر فيه غرابة وعجب، وكذلك هو جديد على الإنسان يطرق سمعه لأول مرة، فلهذا وذاك سميت طرفة.

هذا مرور سريع على الجانب اللغوي في الموضوع، وهو لا يخلو -إن شاء الله- من فائدة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015