التركيز على الأخطاء

الخطأ الأول: فأين الصواب إذاً؟ وأعني بهذا الخطأ: التركيز على الأخطاء, ولعل لقائل أن يقول: إن محاضرتك نفسها عنوانها (بعض أخطائنا في التربية) فأقول: نعم حتى التركيز على الأخطاء في موضوع أو درس أو محاضرة ينبغي أن يكون بقدر معتدل.

إن التركيز على الأخطاء والانحرافات لا يبني أبداً, بل الأصل هو وضع المعيار الصحيح، وتمكين الإنسان أن يكتشف الخطأ بنفسه, مع الثناء عليه إذا أصاب, وتوجيهه إذا أخطأ.

مثلاً: الواعظ والخطيب: إنما هو مربٍّ فينبغي له أن لا يركز على الأخطاء, ويجعل كل خطبه ودروسه ومحاضراته هي عبارة عن سياط يلهب بها ظهور الناس, فيخرجون منه كل يوم وقد حميت ظهورهم من أثر هذا الكلام الذي انحى به عليهم لا, ينبغي أن يكون -أحياناً- هناك حديث عن الصواب، ليعمله الناس دون تعريض للخطأ, -وأحياناً- يكون هناك ثناء على بعض الظواهر الإيجابية حتى تنمو وتكبر, وأحياناً يكون هناك تنبيه إلى بعض الأخطاء، بالأسلوب الشرعي المناسب.

المدرس أو المدَرِّسَة -أيضاً- هم من المربين فكون المدرس أو المدَرِّسة يركز على أخطاء الطالب فإذا أخطأ وأبرز الخطأ وعلق عليه، وأكد على هذا الخطأ, فإن هذا يحطم الطالب، ويجعله لا يفكر في المحاولة مرة أخرى, لا, ينبغي أن يبرز الجانب الآخر.

جانب الصواب الذي أصاب فيه, الجانب الإيجابي عند الإنسان.

ومن القصص المشهورة التي تبين لك أن الإنسان يستطيع أن يؤدي المعلومة بأكثر من أسلوب: أن خليفة رأى في المنام أن أسنانه قد سقطت, فطلب رجلاً يعبر الرؤيا, فقال له: يا أمير المؤمنين! يموت أهلك كلهم، وتبقى أنت بعدهم! فأمر به فجلد حتى أغمي عليه, ثم قال: ارفعوه عني.

فدعا بِمُعَبِّرٍ آخر, فقال له: يا أمير المؤمنين! أنت أطول أهلك عمراً، فأعطاه جائزة!!.

إن الإنسان يستطيع أن يعبر عن التوجيه والإرشاد والنصيحة بأسلوب غير مباشر أحياناً، وبأسلوب مباشر أحياناً أخرى, ويمتدح الصواب في بعض الأحيان, ويمتدح فلاناً لأنه أصاب وهكذا والأب -أيضاً- مربي، فكون الأب لا يحسن إلا سب أولاده وشتمهم، والدعاء عليهم وتعييرهم وفلاناً فعل وابن فلان فعل وأنتم فيكم وفيكم هذا لا شك لن يبني أولاداً صالحين قط, بل سيجعل هؤلاء الأبناء يفقدون الثقة بأنفسهم, ويعيشون إحباطاً, وقد يؤدي إلى كراهيتهم لأبيهم, لكن بدلاً من أن تقول: أنت أخطأت قل: هذا العمل لا يعجبني، لا يناسبني، أو لا يصلح, ولو قلت له هذه المرة أخطأت, المرة الثانية: لا بد أن تثني على الصواب, من الممكن أن تستخدم معه أساليب متعددة؛ بل أقول كل إنسان في مسئولية، فهو يتناول ويتولى جزءاً من مسئولية التربية, حتى الحاكم الأعظم أو الإمام أو الخليفة أو السلطان هو أيضاً مربٍ على نطاق أوسع، ومسئوليته في عدم تتبع الأخطاء, وعدم تتبع العورات, واضحة جليه.

إذاً لا بد أن تكون الأخطاء موضوعة بصورة معتدلة إن الإنسان الذي يلاحق أخطاء الناس, ويكثر من الحديث عنها، ربما يكون لديه شعور بالكمال, ولذلك فهو -دائماً وأبداً- يبحث عن الزوايا المظلمة, والمناطق القاتمة في الناس ليتحدث عنها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015