من زرع الشوك لا يحصد العنب

الخطأ الثالث: إنك لا تجني من الشوك العنب! إننا جميعاً نعاني من الإهمال التربوي, ومع ذلك ننتظر نتائج طيبة, وأضرب لك أمثلة: الحكومات التي تريد الحفاظ على أبنائها وشعوبها, تجد أنها تتعاهدهم بالرعاية والعناية والخدمة والملاحظة, كما يتعاهد الإنسان غرسه ونبته صباح مساء, وتجد أنها تسعى إلى كسب ولائهم وتضع الخطط التربوية الناجحة للتأثير عليهم.

الأسر التي تريد الحفاظ على أبنائها -أيضاً- تجد أنها تحرص عليهم وتراقبهم مراقبة دقيقة, وتبذل في سبيل ذلك الغالي والنفيس.

أما المشكلة فهي الإهمال التام عندنا لأولادنا، وأسرنا، وبيوتنا، وشعوبنا, ثم ننتظر نتائج إيجابية، وأحياناً نندهش ونفاجأ حينما تخيِّب ظننا الأمور.

الأب مشغول بالتجارة, والآخر مشغول بالمزرعة, والثالث مشغول بالوظيفة, دوام صباحي ودوام مسائي, ورابع مشغول بالسفر في الإجازات، وفي الخميس والجمعة, ومشغول مع أصدقائه في بقية الأيام, أو مشغول بالزوجة الجديدة، التي أخذت عقله ولبه وقلبه ووقته, وأصبح كل همه ووجهه إليها, أو حتى قل: مشغول بالدعوة إلى الله تعالى, ومشغول بالعلم، ومشغول بالتعليم، وهي خير ما يشغل به الإنسان, لكن لا ينبغي أن ينشغل بهذا أو بذاك عن مسئوليته المباشرة التي حددها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: {ابدأ بمن تعول} .

يقول الولد: لمن تتركنا؟! وتقول الزوجة ويقول القريب: -أحياناً- حتى مجرد الجلوس مع الأولاد، أو الأكل معهم، أو المزاح، أو سؤالهم عن أحوالهم أو دراستهم وأوضاعهم، لا يكاد يتحقق من بعض الآباء المشغولين, وهذه مصيبة.

يقول الشاعر: ليس اليتيم من انتهى أبواه من هم الحياة وخلفاه ذليلا إن اليتيم هو الذي تلقى له أماً تَخَلَّتْ أو أباً مشغولا ليس هذا فحسب, فليست المشكلة فقط أن هؤلاء لم يجدوا من يربيهم!! بل إن المشكلة أن هناك وسائل بديلة قامت بتربيتهم.

فمثلاً: الإعلام أوالتلفاز الذي يستلم الطفل أو الشاب أو الزوج، من أول ما يدخل المنزل حتى ينام, بكل برامجه وصوره، وخيره وشره.

ثم يأتي دورالفيديو الذي يكمل نقص الإعلام، ويستطع الإنسان أن يحصل على ألوان من آلاف الأفلام التي تصور له أوضاع الشعوب الأخرى, فهذا يصور لك كيف يعيش الناس في المجتمع الأمريكي الكافر؟! وآخر يصور لك معيشتهم في المجتمع البريطاني الكافر! وثالث في المجتمع الفرنسي الكافر! ورابع يتحدث لك عن أوضاعهم الاقتصادية! وخامس عن الأمور الفنية! وسادس! وسابع! وهكذا! إذاً: هذا الإعلام بصورة واضحة وصريحة يقدم للناس هدياً وشريعة بديلين عن هدى الله تعالى وشريعة محمد صلى الله عليه وسلم! فهو يعلم الكبير والصغير، كيف يدخل, وكيف يخرج, ويقعد وينام؛ بل كيف يخاطب, وكيف يُحَيْيِّ الناس, وكيف يتعامل معهم, فتتعلم منه البنت كثيراً من الأخلاق السيئة المنحرفة, ويتعلم منه الابن والفتى والصغير والكبير.

إذاً: فرض أن في أجهزة الفيديو والأشرطة الموجودة نقصاً، وليس موجوداً في تصوير ألوان التعاسة، التي تعيشها المجتمعات الغربية, فإن البث المباشر الذي أصبح يطل علينا الآن سيكمل هذا النقص على كل حال! وأنت تجد إعلانات -أحياناً- عن بعض الألوان من الأقراص، التي تستقبل ما يزيد عن أربع وتسعين قناة -ومع الأسف الشديد- أصبح يمكن لهذه في بلاد المسلمين, وتباع علانية, بل وتنتشر الدعايات حتى في صناديق البريد, دون تشهير ولا نكير, فضلا عن الصحف والمجلات.

إذاً الجانب الإعلامي: إذا غفلت أنت فهو ليس بغافل.

الجانب الرياضي الذي يهتم ببناء الأجسام دون بناء العقول، ودون بناء الأخلاق ودون بناء الروح والعلم, هذا أيضاً لا يغفل, فهو يبنى لك ولداً قوياً في جسمه ولكنه خواء في عقله وعلمه ودينه.

وأنا لا أقول: إن كل من يعمل في هذا المجال هو كذلك, ونحن نعلم أن من الرياضيين قوماً صالحين والحمد لله تعالى, ولكننا نحذر من مثل هذا المصير, فضلاً عن الجو الصاخب الهائج الذي يحدث أثناء المباريات, أو المنتديات أو غيرها، فضلاً عن تلك النوعيات المتفاوتة, من الكبار والصغار, ومتفاوتون في تعليمهم وأخلاقهم وسنهم، وفي غير ذلك.

إذا غفلت أنت فلن يغفل قرناء السوء من ضحايا المخدرات, أو محترفي الإجرام, أو هواة المغامرة, الذين هم من سن ولدك، وهم قادرون على التأثير عليه, وعلى إقناعه بصحبتهم ومشاركتهم في مغامراتهم وأنشطتهم.

والشارع بكل ما فيه: فإن أقل ما نقوله فيه: أنه ليس مكاناً للتلقي والتربية والتوجيه, وتغيب فيه الرقابة سواء من الوالدين أو من غيرهم, فإذا غفلت فلن يغفل الشارع.

وأيضاً العناصر الدخيلة, السائق -مثلاً- الذي يذهب مع البنات إلى المدرسة والسوق، وإلى مكان الترفيه، وإلى مدينة الألعاب وإلى غيرها دون أن يكون هناك أي قدر من التوجيه ولا من الرقابة, والثقة في ظن الكثيرين موجودة, ونحن نعلم أن كل أب يثق في بناته تلقائياً, ويثق في أولاده تلقائياً, لماذا؟ لأنه يذكرهم منذ الصغر ويذكر ما فيهم من البراءة, والبعد عن هذه المعاني, ويرى -أيضاً- ما عندهم من الخجل والحياء، الذي يجعلهم لا يتكلمون أمامه بشيء, فيظن الأب أن أولاده وبناته أبرار أطهار, ولا يتوقع أن المشاعر المتأججة التي قد تثور في نفس أي شاب, تثور عند ولده أو تثور عند بنته, فيضع مع هذه الأمور سائقاً مع بناته مثلاً، أو يضع خادمة مع الأولاد في المنزل, ويعتقد أن الثقة موجودة ولا شك أن هذا من أخطر الأمور.

وكذلك المدارس الأجنبية أو المدارس الخاصة، التي تعتبر -أحياناً- نوعاً من الوجاهة لا غير, فيكفيني أن أقول أن ولدي يدرس في مدارس خاصة, وأفاخر بأنه يحسن اللغة الإنجليزية؛ بل إن بعض هذه المدارس تبعث شبابنا للتزلج على الجليد في سويسرا وغيرها, وبعضها تبعث بهم إلى بريطانيا ليقضوا الإجازة الصيفية عند أسر نصرانية كافرة, بحجة أنهم يتعلمون اللغة الإنجليزية, بل إن بعضهم يذهبون بأولادهم إلى الخارج ويقيمونهم في فنادق خاصة بالأطفال, كما أعلنت عنها عدد من الإذاعات ووسائل الإعلام تستلم، الطفل والأب مشغول؛ مشغول بدنياه, أو بتجارته وبصفقاته, وقد يكون مشغولاً بغير ذلك مما لا نبوح به, فيدع أولاده في فندق في بلد غربي, هذا الفندق لا يسمح للأب بأن يأتي إلى ولده إلا مرة في الأسبوع ليطمئن عليه, وهم يستلمونه بعد ذلك ليربوه على أخلاقيات معينة, وعقائد معينة, ومفاهيم وسلوكيات معينة, ولك أن تتصور أي مستوى من الدين والأخلاق والشيم سوف يتربى عليها أطفالنا في مثل هذه البيئات! إذاً: الجو العام يؤثر تأثيراً كبيراً, والبيئة التي يعيشها الطفل، الإسكان -مثلاً- والسفر والغربة والفندق والزملاء والمدرسة إلى غير ذلك, فأنت إذا غفلت هم لا يغفلون.

ولا شك أن هذه جوانب سلبية في مجتمعنا, ولا يعني أن المجتمع يخلو من وسائل التربية الإيجابية, كلا! فنحن ندرك -مثلاً- أن هناك مدارس كثيرة تعتبر التربية فيها تربية إيجابية, فيها مدرسون ناصحون، ومدراء مخلصون, ومسئولون حريصون على مصلحة الطلاب, سواء كانت مدارس رسمية أو كانت مدارس أهلية.

هناك -أيضاً- المساجد, التي هي منطلق التربية ومصدر الإشعاع, وهي الجو الطبيعي لتربية المسلم على مكارم الأخلاق ومعانيها, فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعيش معظم وقته مع أصحابه في المسجد, حلقات للتعليم للعبادة، للصلاة، للسؤال، حتى إن الرجل الجاهل يأتي فيدخل المسجد، فيجد الرسول صلى الله عليه وسلم مع أصحابه فيقف ويقول: أيكم محمدٌ؟ فيشيرون إليه, ويقولون: هو ذا, فيسأله عما أشكل عليه من أمر دينه أو دنياه.

القرناء الصالحون: وهم -بحمد الله تعالى- موجودون وهم كثيرون, وينبغي الحرص عليهم وأن يضع الأب ولده في دائرتهم.

الحلقات والدروس العلمية: سواء كانت حلقات تحفيظ القرآن الكريم, أو لتعليم العلم الشرعي من فقه، وحديث، وتفسير، وفرائض، ولغة، وغير ذلك , ومجالس الذكر التي يؤمر فيها بالمعروف وينهى عن المنكر, وترقق فيها القلوب, وتحرك فيها المشاعر, كل ذلك من وسائل التربية.

أيضاً الوسائل العلمية النافعة المفيدة مثل الكتب المفيدة , والأشرطة الإسلامية النافعة, مع أنها أصبحت اليوم -مع الأسف- تحاصر ويقلل من انتشارها وشأنها وأهميتها.

ومنها المجلات الإسلامية المفيدة إلى غير ذلك؛ المهم أن الأم والأب والمسئول لهم دور في وصل الناس بهذه الوسائل التربوية المفيدة, ومنعهم وإبعادهم عن تلك الوسائل الضارة.

وينبغي أن نعلم أن الشر خفيف على النفس, والتكاليف ثقيلة, والشيطان مسلط, فيحتاج الإنسان إلى مراقبة ورعاية، وحزم وتشجيع.

والنفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم أين الأب المدرك لمسئوليته في تربية ولده؟! أين الذي يتصور قول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الطور:21] , فهو يراقب ولده منذ نعومة أظافره؟ ومنذ طفولته! وهو يسأل الله تعالى أن يحقق فيه أمنيته, أن يجمعه معه في الجنة, وأن يرفعه إلى رتبته حتى يسعد به.

أين الأب الذي يتصور قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم عن أبي هريرة: {} .

إن أعظم ما تخلفه من بعدك! ليس المال فهو لورثتك! ولا الشهرة والجاه، فهي لا تنفعك وأنت موسد في قبرك, وإنما العمل الصالح، ومنه العمل الدائم الباقي الذي لا ينقطع, أو ولد صالح يدعو لك.

ومن ألوان الإهمال -أيضاً- ليس فقط إهمال الأب: إهمال إمام المسجد في حيه عن توجيه الناس وتعليمهم أمور دينهم, وحثهم على المحافظة على الصلوات, وحثهم على مكارم الأخلاق, ومراقبة المتخلفين عن الأعمال الصالحة ونصحهم وإرشادهم, والقيام بالأعمال الخيرية، وتتبع المحتاجين الفقراء المعوزين المعدمين, ومراقبة الشباب والقيام باتصالات معهم, ومحاولة إقامة نشاطات: دروس علمية، ودروس تحفيظ القرآن الكريم، ومسابقات ثقافية، وتوزيع أشرطة إلى غير ذلك من الأعمال, مثله -أيضاً- المدرس في مدرسته، والمسئول في إد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015