غرس الفسيلة مع قيام الساعة

Q ذكرت الحديث الصحيح العجيب، أنه عند قيام الساعة {من كانت معه فسيلة فليغرسها} هل هناك تعارض بينه وبين حديث {لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس} ؟

صلى الله عليه وسلم سؤال طريف، يقول: كيف نجمع بين الحديث {إذا قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فاستطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها} مع حديث {أنه لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس} وكأني فهمت أن السائل يقول: لماذا يوجهنا الرسول صلى الله عليه وسلم هذا التوجيه، مع أن الذين تقوم عليهم الساعة هم شرار الناس، وممن لم يفهم الشرع ويلتزم بأوامر الرسول صلى الله عليه وسلم؟ فأقول: إن الحديث {إذا قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة} ليس على ظاهره، أنه سيكون رجل عنده نخلةً يريد أن يغرسها فقامت الساعة، ليس بهذه الصورة، هذه قد لا تحدث والله أعلم، لأن الساعة يسبقها أحوال، مثل طلوع الشمس من مغربها، وغير ذلك من العلامات التي تجعل الناس ينصرفون عن الدنيا.

إن المقصود من التمثيل أن الإنسان عليه أن يبذل وسعه بكل حال، مثلاً: قامت ساعتك أنت عند الموت، كل إنسان إذا مات قامت قيامته، فعند الموت إن استطعت أن تعمل خيراً اعمله، لا تقل: والله لا فائدة وفات الأمر، هذا غير صحيح، ولذلك عمر رضي الله عنه في مرضه، جاءه شاب مسبل، فلما ولى قال: [[عليّ بالغلام، فقال: يا ابن أخي ارفع إزارك]] كلمة خير تقولها ولو بقيت خمس دقائق على الموت قلها، كذلك عمر رضي الله عنه قال في مرض الموت: [[وددت أني رأيت في الكلالة رأياً إن رأيتم أن تتبعوه]] فقال له عثمان رضي الله عنه: [[إن نتبع رأيك فهو خير وإن نتبع رأى الشيخ قبلك فنعم الرأي كان]] هذا مثال.

مثال آخر: قد يعمل إنسان عملاً ويقتنع بأن هذا العمل غير مثمر، لا نقول له: لا تعمل لا توجد فائدة، بل نقول له: اعمل، فلا يمكن أن نقول: إن هناك إنساناً لا فائدة من أمره بالخير، بل نقول: مُره، لأنك إذا أمرته بالكلمة الطيبة أنت أول المستفيدين، سُجِّلَ في سجل حسناتك أجر، وهذا بحد ذاته مكسب، وأمر آخر: صارت عندك مناعة ضد المنكر، لأن الإنسان إذا سكت عن المنكر اليوم؛ قد يفعل المنكر غداً، لكن عندما ينهى عنه، تتولد لديه قناعة ومقاومة على الأقل، فاسلم بنفسك، أمر ثالث: قد يستجيب لأنك لا تعلم الغيب.

وفي الحديث معانٍ أخرى كبيرة، يستحق الحديث موضوع محاضرة خاصة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015