إذا حصل خلاف بين أهل العلم حتى في مسألة فقهيه أو غير فقهية, فإنه يتم معرفة الصواب، أو معرفة الراجح من المرجوح بجهد الإنسان؛ يبحث حتى يصل إلى النتيجة, وليس هناك ملك يننزل يشير إلى هذا الإنسان أنه هو المصيب وهذا الإنسان هو المخطئ, لا يكون هذا أبداً فحتى معرفة الصواب من الخطأ وتمييز الخطأ من الصواب، وإبعاد الخرافات التي تعلق بالدين, إنما تتم بجهود الناس أنفسهم وبواسطة الأسباب التي يبذلونها.
إذاً فالقضية كلها أيها الأحبة تدور على نقطة يمكن أن نعبر عنها بقضية فاعلية الإنسان, أن يكون الإنسان فعّالاً مؤثراً، ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أهل السنن: {خير الأسماء عبد الله وعبد الرحمن، وأصدقها حارث وهمام} لماذا أصدقها حارث وهمام؟ لأن الإنسان لكي يحقق إنسانيته لا بد أن يكون هماماً, أي صاحب هم وهمة, يفكر أن يعمل كذا وكذا, وكذلك هو حارث صاحب حرث لا يكتفي بالتفكير, بل ينتقل من التفكير إلى العمل, فيرفع هذا ويضع هذا، ويشتغل ويقدم ويؤخر ويعمل ما في وسعه.
فالإنسان من أبرز خصائصه أنه فعّال مؤثر صاحب قوة وصاحب إرادة, فرجعت المسألة إلى هذا الأمر، ولكن لا معنى حينئذٍ للتمنيات والأحلام المعزولة عن الفعل, فالإنسان لا بد أن يفعل السبب.
إنسان -مثلاً- يريد الجهاد, هذا الجهاد هم, أولاً: هل عندك هم الجهاد في سبيل الله؟ تقول: والله ما عندي هم للجهاد, هنا نقول: أنت سقطت من أول اختبار, ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم {من لم يغز أو يحدث نفسه به مات على شعبة من نفاق} فهذا يموت على شعبة من النفاق, لأنه حتى الهم غير موجود عنده, ما حدث نفسه بالجهاد, وآخر قال: والله أنا حدثت نفسي بالجهاد وهممت به, نقول: ننتقل إلى السؤال الثاني, أنت نجحت في المرحلة الأولى, وتبقى المرحلة الثانية: هل أعددت للجهاد شيئاً؟ يقول: لا والله ما أعددت شيئاً, مجرد خواطر في النفس, هنا نقول له: كما قال الله عز وجل: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً} [التوبة:46] .
إذاً كل إنسان يدعي أنه يريد ولا يستعد, فهذا فيه شبه بالمنافقين, يدعون أنهم أرادوا الخروج مع الرسول صلى الله عليه وسلم للجهاد، ومع ذلك ما أخذوا الأهبة ولا الاستعداد.