المسلمون الأوائل، أخذوا خير ما عند الأمم الأخرى خلال فترة وجيزة, فكيف يحصل هذا؟! يحصل بسبب الانشطار بين النظرية والتطبيق، عندكم دين صحيح وحق ولا مرية فيه, لكن التطبيق في واد آخر, وربما تكون الأمم الأخرى سبقتكم إلى بعض مميزات هذا الدين, وهذا من وسائل الصد عن سبيل الله عز وجل.
كثير من الكفار إذا دعوا في بلادهم أسلموا، فإذا جاءوا إلى البلاد الإسلامية ارتدوا والعياذ بالله، وأذكر أنني قرأت قصة منذ ما يزيد على عشر سنين, وكان وقت قراءتي لها هو وقت حدوثها، أن أحد الطلبة الشباب كان في أوروبا، فدعا رجلاً إلى الله عز وجل, وعرض عليه الإسلام، فاسلم وصار يقرأ في الدين حتى امتلأ قلبه إيماناً بالله ورسوله, ولما انتهى هذا الشاب وأراد أن يعود إلى بلاده, قال له ذلك المسلم: أريد أن أعود معك، فرجع معه, ولمّا رجع يقول: جلس فترة ليس عنده عمل, فلاحظ سلبيات، السفور الموجود في أسواقهم أي: في أسواق المسلمين، والتبرج الموجود ومظاهر التخلف الموجودة عند المسلمين وليست موجودة في بلادهم, نظر بعد فترة وجد أنه ضاقت عليه الأسباب, ما وجد بيتاً يسكن فيه, ولا أحد يطعمه, ولا أحد يؤويه.
بعد ذلك يقول: جاءني يوماً متأثراً حزيناً محمر العينين, يقول لي: أين أبو بكر؟ أين عمر؟ الذي كنت تخدعني بقصص عدله -هكذا يقول له- ألا تعلم أنني منذ أيام لا أجد ما آكل؟ لا أدري أين أسكن؟! أين الإسلام الذي كنت تقول لي؟ أين العدل؟ فكان هذا الشاب يكتب الرسالة بكل حرقة؛ يشتكي فيها هذا الوضع الذي حصل, ويقول: إن الرجل ارتد عن دينه وتخلى والعياذ بالله بهذه الصورة البشعة, فمن الصد عن سبيل الله أننا نملك الحق ولا نطبقه.
وأذكر أنني قرأت -أيضا- كلمة للأستاذ سعيد شعبان، وهو أحد الكتاب القدامى المصريين -يقول: إنه عقد مؤتمر في أحد البلاد الإفريقية عن الإسلام, وحل الإسلام لمشكلات الحضارة ومشكلات الناس, وتكلم في هذا المؤتمر عدد من العلماء، وحضره عدد من الصحفيين الأوروبيين من الرجال والنساء, يقول استمر المؤتمر أسبوعاً، وبعد نهاية المؤتمر جاءتنى امرأة وناقشتني عما قيل في المؤتمر, وهل هو صحيح أم غير صحيح؟ فقالت لي بعد ذلك: اسمع مني وانقل عني: "إذا كان ما تقولونه لنا في هذا المؤتمر عن الإسلام صحيحاً, فانقل عني أنكم أيها المسلمون مجرمون في حق البشرية كلها, لأنكم تملكون الحق والحل, ثم لا تقدمونه للناس, البشرية تبحث عن هذا الأمر الذي تقولونه لنا في هذا المؤتمر".