عدم التشاؤم من النكبات

علينا ألاَّ نتشاءم من هذه المصائب والنكبات والأزمات التي تمر بالأمة, بل علينا أن ندرك أنه هنا يأتي نصر الله عز وجل تماماً كما حصل حين جاءت الأحزاب، قال تعالى: {وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً} [الأحزاب:22] ولذلك كان المنافقون في غزوة الأحزاب، يقولون: الواحد منا لا يستطيع أن يذهب لقضاء الحاجة, ويقولون: إن بيوتنا عورة, ومحمد يعدنا كنوز كسرى وقيصر، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول غير هذا، لما اشتدت عليهم الصخرة فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وضربها بالمعول، قال: {الله أكبر! فتحت لي كنوز كسرى} ضربها مرة أخرى, قال: {الله أكبر! فتحت لي كنوز قيصر} ضربها مرة ثالثة, فقال: {فتحت لي اليمن وإني أرى قصور صنعاء} .

إذاً: الواثقون من نصر الله عز وجل -وهم المؤمنون- في أشد الظلام وحلكة الليل, يدركون أنه حينئذٍ يولد الفجر, أشد ما يكون الليل ظلاماً قبيل الفجر، ثم يبزغ الفجر بعد ذلك، وإن كان هذا يذكرني بقضية وهي: أن الأمة وجودها يتفاوت، ولذلك لاحظوا أننا الآن -مع الأسف الشديد- إذا أردنا نضرب الأمثلة, بمن نضرب الأمثلة؟ هل نضرب الأمثلة بفلان الحي الموجود بين أظهرنا؟ قلّما يحدث هذا, وإنما نضرب الأمثلة بالماضين, كأن الأمة تحتاج الآن إلى الرجال, ما كانت الأمة في زمن أحوج منها في هذا الزمن إلى الرجال.

فنحن الآن -بكل صراحة- ابن تيمية يؤثر في واقعنا أكثر مما يؤثر كثير من طلبة العلم الأحياء, الذين يمشون على أقدامهم.

يا رُبَّ حيٍّ رخام القبر مسكنه ورب ميت على أقدامه انتصبا إذا جاءتنا مشكلة علمية وجدنا لـ ابن تيمية رحمه الله سبق فيها, وإذا جاءتنا مشكلة عملية -المشكلة العلمية معقولة، كقضية في الفقه أو في التفسير- لكن حتى مشكلة عملية يمكن أن نستفيد من ابن تيمية أكثر مما نستفيده من غيره.

مثلاً: هناك طائفة من الطوائف لا نعرف الحكم عليها, هل هذه الطائفة مسلمة أو كافرة؟ داخل في الإسلام أو خارجة منه؟ يجب قتالها أم لا يجب؟ قد نتردد وقد نحتار في ذلك، وقد لا نجد من يعطينا الجواب, لكن إذا رجعنا إلى فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية في المجلد الثامن والعشرين، وجدناه تكلم عن ذلك بكل وضوح, ووضع النقاط على الحروف -كما يقال-.

وإذا وجدنا مشكلة قائمة أيضاً ربما تختلط عندنا الموازين ونشك ونرتاب، ولا ندري كيف نتصرف، وإذا رجعنا إلى الكلام الذي كتبه ابن تيمية في مثل هذه المناسبة تعجبنا, وقد سبق أنني قرأت على بعض الإخوة في إحدى المناسبات كلاماً ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية وهو فصل طويل يزيد على عشرين صفحة في الفتاوى, تكلم فيه ابن تيمية للأمة بمناسبة غزو التتر, وما أصاب الأمة من رعب وخوف وفزع، حيث بدءوا يرتحلون من الشام, يسافرون خوفاً على أنفسهم وأولادهم, ويأخذون أموالهم، الكبار والصغار والعالم وغير العالم، خوفاً من هذا السيل الذي يخشون أن يكتسحهم, فتكلم ابن تيمية بكلام عظيم، وربط القضية بقضية الأحزاب، وأنا أدعوكم للرجوع تجدون -والله الذي لا إله إلا هو- كأن ابن تيمية يتكلم عن اللحظات التي نعيشها الآن, وقلت في تلك المناسبة أنني اكتشفت الكلام الذي كان يجب أن نقوله، وأن يقوله طلبة العلم للناس في مثل تلك المناسبات, اكتشفته من خلال قراءتي لما كتبه قلم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015