عن أنس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه طيرٌ، أو إنسانٌ أو بهيمةٌ، إلا كان له به صدقة} فأنت لو لم يكن لك إلا هذا لكفاك، بل بلغ من شدة تحريض النبي صلى الله عليه وسلم على الزرع، أن قال كما في الحديث الذي رواه أحمد والطيالسي وهو صحيح عن أنس رضي الله عنه قال عليه الصلاة والسلام: {إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فاستطاع ألا تقوم حتى يغرسها، فليغرسها فله بذلك أجر} فالساعة سوف تقوم! وهذه الفسيلة لم تكبر! ولم تنبت! فلك أنت تتعبد بزرع هذه الفسيلة في الأرض، لأن ذلك نوعٌ مما يحبه الله عز وجل، بالنية الصالحة، وكان صلى الله عليه وسلم يحدث يوماً وعنده رجلٌ من أهل البادية، فقال عليه الصلاة والسلام: {إنَّ رجلاً من أهل الجنة استأذن ربه في الزرع أن يزرع، فقال الله عز وجل ألستَ فيما شئت، -أي: من الخير والنعيم- قال: بلى يا ربِّ، ولكني أحب أن أزرع، قال: فبذر الرجل، فبادر الطرف نباته واستواؤه واستحصاده، في طرفة عين، فكان أمثال الجبال، فقال الله عز وجل: دونك يا بن آدم، خذ فإنه لا يرضيك، أو لا يشبعك شيء، فقال هذا الرجل من أهل البادية: والله يا رسول الله، لا تجد هذا ُالرجلَ إلا قرشياً، أو أنصارياً، أما فإنهم أصحاب زرع، أمَّا نحن أهل البادية فلا نشتغل في الزرع، فتبسم الرسول صلى الله عليه وسلم} والزراعة أخي الحبيب لو نظرت إليها من الناحية الشرعية، لوجدت أنها تقرب القلب إلى طاعة الله تعالى، وإلى مراقبته، ومشاهدة صنعه في الأرض، فالزارع يبذر الحب، وينتظر المطر من السماء، ويسأل الله عز وجل، ثم يشهد صنعه الحكيم العليم، في خروج النبات من هذه الحبة، فهو يتعامل مع صنعة الله تعالى مباشرةً، فعنده التوكل والإيمان بالله، ولهذا تجد الفلاحين دائماً أقرب إلى المحافظة والتدين من غيرهم!! أما الصانع مثلاً فهو يتعامل مع الآلة، مع صنعة الإنسان نفسه، وبينه وبين صنعة الله تعالى واسطة، هي ذلك الإنسان، فيضعف إيمانه بالله، ويقوى إيمانه بالإنسان، ويقوى إيمانه بالأسباب، ولذلك أيضاً تجد المجتمعات الصناعية يكثر فيها الفساد، والإلحاد، والانحراف، بخلاف المجتمعات الزراعية كما أسلفت، مع أن هذه ليست قاعدةً مطردة؛ لكنها ظاهرة ملحوظة على الأقل في العصر الحاضر.
الزراعة والاشتغال بها يحقق للمجتمع الأمن الغذائي، ووقايته من المساومة، أو الإذلال من القوى الأجنبية والخارجية، ولقد عاش الناس في هذه الجزيرة بالذات، زمناً طويلاً على الزراعة، ولم يكونوا محتاجين إلى غيرهم ومن الممكن أن يقوم الإنسان بالزراعة في عمله مع والده، وفي عمله مع مجموعة يقومون على مزرعة ويتدربون عليها، في مشاركته بأعمالٍ زراعية محدودة، يكون متقناً لها، إما عن طريق الدراسة، أو عن طريق الخبرة والتمرين، حتى ولو لم يجد، إلاَّ أن يشتري مجموعةً من النخيل، ويضعها في بيتٍ أو مكان خاصٍ له، أو قطعة أرضٍ صغيرة، ثم يسقيها ويبيع ثمارها، وفِراخها لكان له من ذلك خيرٌ كثير.