الاستغناء عن الناس

أولاً: من فوائدها الاستغناء عن الناس، وهو بابٌ عظيم، فإن العبد يسأل ربه أبداً، ألا تكون حاجته عند الناس، بل أن يغنيه عن خلقه، أو عن شرار خلقه، وفي المستدرك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {وعز المؤمن استغناؤه عن الناس} وفي حديثٍ آخر رواه البزار والطبراني، وصححه العراقي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {استغنِ عن الناس ولو بشوص السواك} ولو سُئل الناس التراب لأوشكوا إذا قيل هاتوا أن يملوا ويمنعوا قال أحيحة بن الجلح الشاعر المعروف: استغنِ أو مت فلا يغررك ذو نشبٍ من ابن عمٍ ولا عمٍ ولا خالِ إني أظل على الزوراء أعمرها إن الحبيب إلى الإخوان ذو المالِ فالناس يحبونك إن كنت غنياً، ولو طلبتهم ثم طلبتهم، لثقُل ذلك عليهم، ولو كانوا أقرباء، فلا تغتر بذي المال، ولو كان قريباً، فضلاً عن أن يكون بعيداً، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث حكيم بن حزام: {اليد العليا خيرٌ من اليد السفلى، فاليد العليا هي المنفقة، واليد السفلى هي الآخذة أو المتعرضة للسؤال} إن في السؤال والتعرض للناس، وقبول أعطياتهم مذلة، وإراقةً لماء الوجه، وقد كان كثيرٌ من السلف يرد ذلك، ومن أشهر من كان له في ذلك قدمٌ راسخةٌ معروفة، الإمام أحمد رضي الله عنه، فقد كان يرد الأعطيات التي يبعث بها أصحابه إليه، ويشتغل هو بشيءٍ آخر إما أن ينسخ كتاباً، أو يشتغل بشيءٍ، أو يبيع شيئاً، أو ما أشبه ذلك، أو يؤجر نفسه، حتى يكسب المال، الذي يستغني به عن الناس، ومع ذلك حصل له من العلم، والعبادة، والصبر، والجهاد والبلاء، والسابقة في الإسلام، ما لا يخفَ أمره.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015