إن مشكلة الأمة أمام هذه الملمات العظام، هي ذاتها مشكلة ذلك الأخ الذي يقول: لم يتكلم أحد ولم ينكر أحد، وكلنا نقول ذلك، لقد شعرنا بالمرض، ولكننا لم ننتقل بعد إلى العلاج، فلا بد من تكوين رأيٍ عامٍ في الأمة يتعاطف مع قضايا المسلمين جميعاً، ويحس بآلامهم، بل لا بد من رأي عامٍ يعرف المعروف ويأمر به، ولابد من رأيٍ عامٍ ينكر المنكر وينهى عنه، ولابد من رأيٍ عامٍ يقول للمحسن: أحسنت، ولابد من رأيٍ عامٍ يقول للمسيء: أسأت بغض النظر عمن يكون، وحينئذٍ تمتنع الأمة من الظلم فلا تقره ولا تقبله، وتمتنع من الاستبداد فلا ترضاه، وتمتنع من عدوها الكافر فلا تهادنه ولا تداهنه، ولهذا مدح عمرو بن العاص رضي الله عنه كما في صحيح مسلم لما ذكر له حديث النبي صلى الله عليه وسلم: {تقوم الساعة والروم أكثر الناس} قال: [[إن فيهم خمس خصال -ثم قال بعد ذكرها- وخامسة حسنة جميلة وهي: وأمنعهم من ظلم الملوك]] أي أنهم أمنع الأمم من ظلم الملوك، يمتنعون من الظلم والعدوان فلا يقرونه، ولا يقبلونه، ولا يطمع فيهم أحد، ولا يظن أحد أنه يملك قيادهم فيهجنهم ويدجنهم.
إن الظلم الذي تعانيه الأمة الإسلامية اليوم ليس مسئولية الحاكم وحده، فهاهو فرعون استخف قومه فأطاعوه، ولكنه أيضاً مسئولية الشعوب التي استناخت لهم فركبوا، وسكتت فأمعنوا، قال الله تعالى: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِي * فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ} [الزخرف:54-55] تأبى عقيدتنا تأبى أصالتنا أن يصبح العرب أجيالاً وقطعانا فلا لشرق ولا غرب نطأطؤها بل ترفض الجبهة الشماء إذعانا