معرفة الحق ليست حكراً على أحد

الوقفة الرابعة: أن الحق ليست معرفته حكراً على أحد، مهما كبر وعز وعظم؛ ولهذا سئل علي رضي الله عنه وأرضاه كما في الصحيحين: {هل خصكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء يا آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا فهماً أوتيه رجل في كتاب الله عز وجل} إذاً: هذا الفهم ليس مقصوراً، أو محكوراً على أحد، وقد أدرك ابن عباس رضي الله عنه -على صغر سنه ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له- ما لم يدركه أكابر المهاجرين والأنصار، ونحن -أيها الأخ الحبيب- لا ننتظرك بفارغ الصبر لتكون مقلداً تتفنن في محاكاة الأصوات والحركات، أو تتحمس لآراء فلانٍ أو علان، لا! بل يجب أن تعد العدة وتنزل للميدان، ميدان العلم لا ميدان التقليد، وميدان الاستقلال لا ميدان التبعية، وميدان التجديد لا ميدان الموافقة وهز الرءوس.

إننا يجب علينا جميعاً أن نتطلع إلى اليوم الذي يكون فيه كل فردٍ في الأمة بأمة قال تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} [النحل:120] فردٍ في الأمة بأمة! فيجب أن نتطلع إلى اليوم الذي يصبح فيه كل فرد في الأمة بأمة، وأن يزول ذلك الزمن الذي اختزلت الأمة كلها في رجلٍ واحد، فأصبحت الأمة كلها رجلاً، وفرقٌ عظيم بين أن يصبح الرجل وحده أمة، وبين أن تصبح الأمة كلها فرداً واحداً، ولهذا قال الله تعالى: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ} [العصر:3] .

إن الحق بضاعتنا جميعاً، وقد يوجد في الأنهار ما لا يوجد في البحار، وربما جاءت الحكمة من غير فقيه، وقد باح بالسر أمير المؤمنين عمر رضي الله تعالى عنه، فصاح بأعلى صوته: [[رحم الله امرأً أهدى إلينا عيوبنا]] وحسب علمي، فإنه لا يوجد ناطقٌ رسمي باسم الإسلام أو باسم الكتاب والسنة، ولا يوجد في الإسلام كهنوت، ولا رجال دين؛ بل أبواب طلب العلم مفتوحة، وأبواب الدعوة إلى الله مفتوحة، وأبواب النصيحة والوعظ مفتوحة، وهي لا تغلق بمرسوم ولا بقرار ولا بخطاب، ولا يغلقها أحد حتى تطلع الشمس من مغربها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015