انتظار الإجلال والأجر من الناس

من آثار الكبر وثماره المرة: أن يصبح طالب العلم ينتظر من الناس التقدير، والإجلال والتكرم، فإذا حضر مجلساً انتظر أن يصدروه ويجعلوه في صدر المجلس، وإذا سلم عليه أحد تجد بعضهم قد يطأطئ رأسه وكأنه ينتظر القبلة على رأسه، وربما يرى أن من وسائل كسب احترام الناس وهيبتهم أن يَزورَّ عنهم ولا يباسطهم، ولا يحرص على الحديث معهم، ومفاتحتهم في أمورهم الخاصة وغيرها، حفظاً لوقاره وهيبته عن أن ينالها هؤلاء، -وكما أسلفت- أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان بعيداً عن هذه الأشياء يجالس الكبار والصغار يتحدث معهم في شئونهم الخاصة والعامة، وهذا الداء داء الكبر إذا وجد عند أحد من القراء فإنه خطير خطير، لأنه يؤدى بالإنسان إلى أن يكون مجموعة من المثالب والعيوب في الوقت الذي يظن هو فيه أنه بلغ درجة الكمال، وهو لا يستفيد من أحد ولا يسمع من أحد -أيضاً- ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في تعريف الكبر: {الكبر بطر الحق وغمط الناس} وبطر الحق يعنى: رده؛ لأن المتكبر يرى أنه ليس فيه عيوب حتى ينبه إليها، ورحم الله من قال: {رحم الله املءاً أهدى إلينا عيوبنا} وهكذا يكون الكمال في الرجال أن الإنسان مهما بلغ من العلم والسؤدد والفضل والمكانة يرى أنه لا حظ له في ذلك، إنما ما كان فيه من خير فمن الله، لم يكسبه بكد يمينه.

ولذلك يقول الشاعر في ذكر نعم الله، وإن كل ما عند الإنسان فهو نعمة: إذا كان شكري نعمة الله نعمة عليَّ له في مثلها يجب الشكر فكيف أقوم الدهر في بعض حقه وإن طالت الأيام واتصل العمر فإذا كنت تعتقد أن ما بك من نعمة كنعمة العلم -مثلاً- إنها نعمة من الله تعالى، فحينئذٍ أنت تعلم أن هذه النعمة يجب شكرها بنشرها والدعوة إليها وتعليمها، ولا يأخذك في ذلك عجب ولا اغترار، وهذا الشكر لنعمة العلم يتطلب منك شكراً آخر، وهكذا حتى يظل الإنسان في شكر متجدد لنعم الله عز وجل المتجددة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015