نواصل ما سبق في المجلس السابق من ذكر بعض الفوائد والشوارد الملتقطة من الكتاب المفيد الموسوم بـ (تذكرة السامع والمتكلم في آداب العالم والمتعلم) .
فأقول: إن من الفوائد التي ذكرها المصنف في صفحة [57] أنَّ نقل الطالب إلى ما يدل على جودة ذهنه يزيده انبساطاً، وإلى ما يدل على قصوره يقلل نشاطه أي: أن من أساليب التربية والتعليم أن تنقل الطالب من الأسهل إلى الأصعب بالتدريج، لأنك إذا رقيت الطالب في هذه العلوم بدأ يشعر يوماً بعد يوم أنه ازداد فهماً وعلماً، أما إذا كان ينتقل من الأصعب إلى الأسهل، فإن هذا يسبب فتوره وضعف نشاطه.
وفي صفحة [57] أيضاً ذكر المصنف رحمه الله أن من المهم للأستاذ أن يذكر للطلبة قواعد الفن المتعلقة به، إما القواعد المطلقة التي ليست لها استثناءات، أو القواعد الأغلبية فقال: أن يذكر للطلبة قواعد الفن التي لا تنخرق إما مطلقاً كتقديم المباشرة على السبب في الضمان -يعني تقديم تضمين المباشر، على تضمين المتسبب- أو غالباً كاليمين على المدعى عليه إذا لم تكن بينة إلا في القسامة، والمسائل المستثناة من القواعد، وكقوله العمل بالجديد من كل قولين قديم أو جديد أي إذا وجد إمام له قولان مثل الشافعي.
وهذه ليست مقصورة عليه فكثير من أهل العلم له قولان في المسألة أحدهما قديم والآخر جديد- يقول: العمل بالجديد من كل قولين قديم وجديد إلا في أربعة عشر مسألة -ويذكرها- كل يمين على نفي فعل للغير فهي على نفي العلم -يعني أتى بهذه كقاعدة- (إلا من ادعي عليه أن عبده جنى فيحلف على البت على الأصح) يعني -هذا في رأي المصنف- أن الإنسان إذا حلف على نفي شيء أنه ما حصل كذا؛ يحلف أنه هكذا على حدود علمه إلا في هذه المسألة، (وكل عبادة يخرج منها بفعل ينافيها أو يبطلها.
مثل الصلاة يخرج منها لو فعل ما ينافيها كنقض الوضوء أو الضحك أو الأكل أو ما شابه ذلك، إلا الحج والعمرة فإنه إذا أفسده يمضي فيه، {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة:196] وكل وضوء يجب فيه الترتيب -وهذا سبق تقريره- إلا وضوء تخلله غسل الجنابة) وهذه سائدة أن الوضوء يعني الحدث الأصغر يدخل في الحدث الأكبر، فإذا اغتسل الإنسان من الجنابة أجزأه هذا عن الوضوء، ولم يحتج أن يتوضأ إلا أن ينتقض وضوؤه وأشباه ذلك.