تتبع الرخص

صورة خامسة من صور القول على الله بغير علم تتبع الرخص: ولا أعني الرخص الشرعية، مثل الفطر للمسافر أو للمريض، أو القصر وما أشبه ذلك، فهذه يحب الله تعالى أن يأتيها الإنسان، كما في الحديث الصحيح: {إن الله يحب أن تؤتى رخصه} وقال الله عز وجل: {هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78] وقال: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:185] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: {يسروا ولا تعسروا} فالدين هو دين اليسر وقال: {بعثت بالحنيفية السمحة} وهذا الدين فيه من الثراء والمرونة ما يجعله ملائماً مناسباً لكل وقت وكل بيئة، وكل وضع، وهذا ليس معناه أنه يخضع لها، لكنه يمكن أن يطبق في كل الظروف والأحوال، وفي الدين من السماحة والتيسير ما يعرفه المختصون، وليس معنى ذلك أنه كلما كان العالم أكثر منعاً وتحريماً كلما كان أوسع علماً، لا؛ بل العكس، فإن العالم الحقيقي أقرب إلى التيسير من غيره.

وكما قال سفيان الثوري رحمه الله يقول: إنما العلم عندنا الرخصة عن ثقة، فبين شيئاً فيه ترخص، وتسامح، وتيسير، وتسهيل على الناس، لكن ليس ذلك عن أي إنسان، إنما عن ثقة، عن إنسان يعرف أين يضع الرخصة وأين يضع العزيمة، وأين يضع اليسر والشدة، قال: إنما العلم عندنا الرخصة عن ثقة، أما التشديد فيعلمه كل أحد، يقول مثلاً في التشديد: كل شيء هذا حرام هذا حرام هذا لا يجوز، فهذا كل إنسان قد يحسنه.

يقول سفيان: عن العالم أنه الذي يميز ويعرف، خاصة في أشياء كثيرة جديدة جدت في واقع الناس وفي حياتهم، وأصبح كثير من الناس يتساءلون عن حكم الله وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، ليس الصواب ولا المنهج السليم أنا نأتي ونقول كلما جاء شيء جديد وقفنا ضده، وقلنا: هذا لا يجوز وهذا حرام وهذا كذا وهذا كذا، بل والحمد لله قد وهب الله علماءنا في هذه البلاد قدراً طيباً حتى إن أحدهم لينظر في هذه الأشياء ويميز، ما يقبل منها فيقبله، وما يرد منها فيرده، وفق أصول وضوابط لا تتغير ولا تختلف.

إذاً الدين يسر وتيسير، وسماحة وتسهيل، وهناك من الأشياء في هذا الباب أمر يطول الحديث يطول عنه الآن، وقد سبق أن تحدثت عن هذا في أكثر من محاضرة، أو كتيب متداول في أيدي الناس.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015