أحب أن أؤكد على قضية التيسير في الدين والرخصة في الإسلام، وأن الإسلام فيه تيسير عظيم، ومن التيسير أن الله تعالى ما أغلق باباً إلى الحرام إلا وفتح باباً إلى الحلال، وكان من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم، أنه إذا سئل عن مسألة يبين الحرام فيها ويبين الحلال أحياناً، كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث المتفق عليه، لما جاءوا إليه بتمر طيب فقال: {من أين هذا التمر؟ قال الصحابي رضي الله عنه: إنا نشتري الصاع من هذا بالصاعين والثلاثة، -أي أن هذا تمر طيب نأخذ منه صاعاً ونعطيه صاعين أو ثلاثة آصع من تمر رديء، وهذا رباً- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا عين الربا} ومعنى عين الربا أي: هذا لا يجوز لأن التمر لا بد أن يكون متساوياً، صاعاً بصاع، ولو كان هذا تمر مثلاً سكري أو بلحي، وذاك تمر من نوع آخر رديء، لابد أن يكون متساوياً فقال: وهناك خطر كبير جداً من مثل هذا المسلك الذي يتشبث به البعض وهو يتمثل فيما يأتي: {عين الربا عين الربا لا تفعل بع الجميع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيباً} يعني التمر الرديء بعه بالدراهم، ثم هذه الدراهم التي بعت بها، اشتر بها ما تشاء من التمر الطيب، فبين له المخرج أو البديل، كما يقولون بلغة العصر.
ولا شك أننا بحاجة إلى علماء في الاقتصاد، وفي الإدارة، والاجتماع، وفي علم النفس، والسياسة، وإلى علماء في كل مجالات الحياة، يجمعون بين العلم بهذه التخصصات وبين أن يكون عندهم ثراء في العلوم الشرعية، بحيث يستطيعون أن يجعلوا هذه القضايا تحت المجهر الشرعي، ويصلوا فيها إلى نتيجة صحيحة، أو أن العالم الشرعي يستعين بمثل هؤلاء الخبراء في مجال تخصصاتهم، حتى يستطيع أن يتصور الأمور تصوراً صحيحاً، وأن يصل فيها إلى النتائج، وهناك -بحمد الله- مجامع فقهية وعلمية قد قطعت شوطاً لا بأس به في ذلك، مثلاً هيئة كبار العلماء في المملكة، والمجمع الفقهي في مكة وبعض المؤسسات خارج المملكة، قد يكون لها دور في ذلك وهي بداية.
على كل حال نرجو أن تتواصل حتى تحل مشكلات الأمة، على ضوء كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن ترك الشدة على الناس أن لا نلزمهم أيضاً بمذهب معين، ما دام أن الدليل مع غيره، فلا نقول: اترك المذهب إلى مذهب آخر، لأنه أسهل وأيسر، وجدت مرة مجموعة من الناس عندهم وقف، هذا الوقف عبارة عن نقود، فمثلاً عندهم مائة ألف ريال، فسألتهم وقلت لهم: على أي أساس جعلتم المال وقفاً؟ قالوا: بحثنا فوجدنا في مذهب الإمام أحمد أنه جوَّز إيقاف المال فأوقفناه، فهل بحثتم في الآراء الأخرى، وبحثتم في الأدلة، وتوصلتم إلى قناعة أن هذا هو الحق؟ فلا بأس، أما إذا كان بمجرد ما علمت أنه يوجد عالم أفتى بهذا أخذت به، فهذا لا يصلح أبداً، فالمهم أن الدين فيه تيسير، وسماحة، وفيه فرص عظيمة جداً.
وهذا جانب من الرخص.