Q أنا شاب أحث الناس على الإخلاص في النية في كثير من الأعمال، ولكن إذا نظرت إلى نفسي ومحاسبتها أجد أنني لا أخلص النية في جميع أعمالي، أرجو إخباري لأن هذا يقلقني كثيراً؟
صلى الله عليه وسلم الحقيقة في مثل هذه الحالة على الشاب أن يستمر فيما هو فيه من حث الناس على الإخلاص؛ لأن هذا عمل طيبٌ ومشروع، والآيات في الحث على الإخلاص كثيرةٌ معلومة، وعليه أن يحرص على إخلاص نيته ما استطاع، وليحذر الشاب من وسوسة الشيطان الذي يقول له: دع أمر الناس بالخير لأنك لم تفعله، أو دع نهي الناس عن الشر لأنك واقع فيه، وهذه القضية تخفى على كثيرٍ من الناس، وعلى كثير من الإخوة وهي قضية مهمةٌ جداً، في باب الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأريد أن أصوغها على شكل سؤال، وهو: الإنسان الذي يقع في المنكر هل يجب عليه أن ينهى الناس عن المنكر الذي يقع فيه نفسه أم لا ينهى عنه؟ الواقع والصحيح أنه ينهى، ويجب عليك أن تنهى عن المنكر ولو فعلته، ويجب عليك أن تأمر بالمعروف ولو تركته، وهذا هو القول الصحيح الذي عليه جماهير السلف والخلف، ولا شك في صحة هذا القول، لأن الإنسان مطالب بأربعة أشياء: مطالب بأن يفعل المعروف وأن يأمر به، وأن يترك المنكر وأن ينهى عنه، وإخلال الإنسان بواحد من هذه الأشياء الأربعة لا يدعوه إلى الإخلال بالأمر الثاني منها، وقد قيل: ولو لم يعظ في الناس من هو مذنب فمن يعظ العاصين بعد محمد ولذلك نقل الإمام ابن عطية في تفسيره عند قولة تعالى: {كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:79] قال: وقال بعض الأصوليين: واجب على من يتعاطى الكئوس أن ينهى بعضهم بعضاً، أي المجموعة القاعدون لشرب الخمر يجب عليهم شرعاً أن ينهى بعضهم بعضاً حتى وهم يتعاطونه، وقال حذاق أهل العلم يأمرون بالمعروف وإن لم يفعلوه، وينهون عن المنكر وإن فعلوه، والدليل على ذلك قوله من القرآن: {كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:79] .
فأنت لو تأملت الآية وجدت أن الله عز وجل نسب ترك التناهي إلى الذين فعلوا المنكر أنفسهم، يعني وهم يفعلون المنكر كان يجب عليهم أن ينهوا ويتناهوا عنه، ولا شك أنه ملوم بكونه ينهى الناس ويقع فيه كما قال الله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة:44] لكنه ليس ملوماً لأنه نهى عن المنكر، بل ملوم لأنه فعله، وخاصة مع علمه بأنه منكر، فهذه القاعدة مهمةٌ جداً، فأمر الناس بالمعروف وحثهم على الإخلاص في العمل، واحرص على تزكية نفسك وأمرها على ما تأمر به الناس، ولا يمنعك شعورك بعدم الإخلاص في بعض عملك مما أنت فيه من الأمر والنهي، وحث الناس على الإخلاص.