أسباب طرح موضوع (القول على الله بغير علم)

حمداً لله، وصلاةً وسلاماً على رسول الله.

أما بعد: أيها الأحبة: إن مثل هذا الجمع الحاشد مهما بذل الإنسان، فإنه دون ما يجب له وإذا تصورنا أن جلوسنا في هذا الوقت سيكون ساعة من الزمان مثلاً، فإن هذه الساعة بالقياس إلى ألوف أو عشرات الألوف ممن قد يسمعون مباشرة أو بواسطةٍ، أي أن هذا الوقت سيكون زمناً طويلاً جداً وسيكون ثروةً هائلة من عمر الأمة ووقتها وأعتقد أن الاعتذار لا يسعفني ولا يشفع لي في هذا المقام ولكني أقدمه لكم على ذلك.

أيها الأحبة لقد كان هذا العنوان الذي أشار إليه أخي الشيخ عبد الوهاب حفظه الله "القول على الله بغير علم" كان بنظر وقبول من سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله تعالى وإنه لشرفٌ كبير لي أن أتحدث عن موضوع يقترحه ويحس بأهميته سماحة الشيخ عبد العزيز، فإنه خبير بملابسات الواقع وتحدياته، عارف بحاجات الناس التي تتطلب الشرح والبيان.

أما أسباب طرق هذا الموضوع والحديث عنه، فلعل من أهم أسباب ذلك: هو جراءة كثير من الناس، من غير المختصين، على الخوض في مسائل الشريعة أصولاً وفروعاً، وهجوم كثير من هؤلاء على الخوض في الدقيق والجليل من المسائل دون خجل ولا حياء، فهذا على صعيد المتحدثين والمتكلمين.

أما على صعيد العامة من الناس وجمهور الأمة؛ فقد أصبح كثيرٌ منهم لا يستطيعون التمييز عمن أخذوا، ومن يستحق أن يستمع إليه في الشرعيات، ومن يستحق ألا يؤخذ منه ولا يلتفت إليه، فأصبح في نظر عدد من الناس أن كل من تكلم في الشرع فإنه يستمع إليه، ويردد كلامه ويهتم به، مع أننا نجد أن كثيراً من هؤلاء في مسائلهم الدنيوية يرجعون فيها إلى أهل الاختصاص دون غيرهم، فإذا كان عند أحدهم مريض -مثلاً- فإنه لا يذهب به إلى البقال ليعطيه وصفة العلاج، لأنه يعرف أين مكان استقبال المرضى، وكذلك إذا أراد ترميم منزله فإنه لا يذهب إلى الخياط، بل يسند كل عملٍ إلى من يحسنه ويجيده، ممن كثرت دربته وعظمت خبرته فيه، فهذا في شئون دنيا الناس، لكنهم في شئون دينهم قد أصبح قسم كبيرٌ منهم يستمعون إلى من هب ودب ودرج، بل لا أعدو الحقيقة إذا قلت: إن من يتكلم اليوم في قضايا الإسلام والدين وجد آذاناً تصغي إليه.

فإذا أضفنا إلى هذا أن أسهم الإسلام بحمد الله قد ارتفعت، وراياته قد رفرفت، وشجرته قد بسقت فأصبح يخطب ود الإسلام والمسلمين كل أحد، وأصبحت كثير من القيادات اليسارية والناصرية في الماضي، في عدد من الأقطار الإسلامية، تكتب عن الإسلام وتؤلف فيه، وتتحدث عنه، والأسماء كثيرة جداً، ومن طالع الصحف الكويتية قبل الغزو العراقي للكويت أدرك هذا بجلاء، فقد أصبح الحديث عن الإسلام وقضايا الإسلام شأناً لكثير ممن كنا نعرفهم بالأمس يصرحون أنهم من اليساريين مثلاً، بل بعضهم كانوا من الشيوعيين، سواءً في مصر أو في بعض بلاد المغرب العربي، أو في بلدان الخليج، أو في غيرها.

إذا عرفنا هذا أدركنا أن الكثيرين أصبحوا يتكلمون عن الإسلام ويخطبون ود هذه الجماهير، التي تقبل على الإسلام، وتبحث عن حكم الله تعالى وحكم رسوله عليه الصلاة والسلام، فلو تصورنا هذا لأدركنا حجم الخطورة التي تقع فيها الأمة، إذا لم تستطع أن تميز، عمن تأخذ ومن هو الذي يستحق أن يتكلم في مسائل الشرع، ومن هو الذي يستحق أن يسكت؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015