صورة -أيضاً- من صور تخلينا عن المسئولية، تخلي المسلمين عن مسئولية ما يحدث، لو سألت أي فرد منا دعونا ممن هم خارج المسجد، لنكن واقعيين لا نتكلم عن أحد غائب، من أجل أن يكون الكلام له قيمته، يعتبر كل فرد أن الخطاب يخصه هو دون غيره.
لو سألنا إخواننا الموجودين في المسجد: هل أحد منا يشعر أن له دوراً أو مشاركة في احتلال اليهود لفلسطين، أو احتلال الروس في أفغانستان، أو في انتشار المنكرات في المجتمع، أو في ضعف الأمة الإسلامية، أو في التخلف العلمي الذي نعيشه، أو في الوضع الاقتصادي المتردي الذي تعيشه الأمة؟! قد تجد (90%) على الأقل يقول: أنا ليس لي دور! أنا قائم بعملي خير قيام، ليس لي تدخل بالناس: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام:164] ما دخلنا في اليهود أن يحتلوا فلسطين أو غير فلسطين، مالنا علاقة بالأشياء هذه!! الأكثر من الناس هذه تصوراتهم.
إذاً فقدنا شعورنا بالمسئولية عن الأحداث الكبار، دعك من الأحداث العالمية، مثل قضية سقوط الشيوعية، أو قضية التحالفات الجديدة العالمية، دعك منها، لكن لنبقى في الأحداث الإسلامية، بل دعنا من الأحداث الإسلامية البعيدة، دعنا مع الأحداث الإسلامية القريبة التي تقع في مجتمعنا، أكثرنا يقول: ليس لنا علاقة! من نحن؟ إنسان في آخر المشوار وفي آخر القائمة، نقطة لا وزن لها ولا اعتبار لها.
هذا تقديرنا لأنفسنا، وهكذا أصبحنا نعيش سلبية قاتلة تجاه كل ما يحدث قريباً كان أو بعيداً، حتى صح وصدق علينا قول القائل: ما أكثر الناس لا بل ما أقلهم الله يعلم أني لم أقل فندا إني لأفتح عيني حين أفتحها على كثير ولكن لا أرى أحدا وأذكر لكم قصة أم نكتة في الواقع، وهي أن أحد العلماء كان عنده خلق كثير من الطلاب، له حلقة يحضرها ألوف، فخشي منه الحاكم أو السلطان، قال: إن هذا العالم له جمهور وله رواد وخاف منه، فأحضره يوماً من الأيام في قصره وقال: أنا لست مطمئن لهذه الجموع الغفيرة التي تجلس عندك، أنا أخشى منهم.
قال: لا تخف من هؤلاء، ليس عندي أحد، قال: كم عندك في الحلقة؟ قال عندي واحد ونصف.
فضحك الأمير، أو الحاكم، وقال: أنا حضرت الحلقة ورأيت ألوفاً مؤلفة، قال: أبداً، أصدقك الحديث ليس عندي إلا واحد ونصف.
قال كيف؟ قال: سوف أريك الآن، وأخذ بيده وخرج به إلى الشرفة يطلون على الشارع، الناس جاءوا إلى المسجد يريدون الحلقة فما وجدوا الحلقة، سألوا: أين الشيخ؟ قالوا: قد ذهب إلى السلطان -دعاه السلطان-.
فكلٌ ذهب إلى حال سبيله، هذا في مكانه، وهذا في مزرعته، وهذا في مدرسته، وبعضهم يركض ركضاً، لا يدري أحد أنه يجلس في هذه الحلقة، والثالث والرابع، المهم لاذوا بالفرار.
جاء فلَّاح معه مكتل على كتفه آله الحراثة، فقال: أين الشيخ؟ فقالوا: ذهب إلى السلطان.
فلم يلو على شيء، وحالاً ذهب إلى السلطان، فلما وقف عند باب القصر؛ وجد الجنود والحرس والأعوان والشرط والسياط والسيوف، لم يلتفت إليهم بل صار يشق الصفوف شقاً، فقال العالم للحاكم: ترى هذا.
قال: نعم.
قال: هذا واحد، فقال: أين النصف؟ قال: يأتيك الآن، بعد قليل جاء إنسان فصار يتقدم خطوة، ويتأخر أخرى ويلتفت يمنه، ويلتفت يسره، ويريد أن يدخل ثم يرجع، ثم يريد أن يدخل ثم يرجع، فقال: هذا النصف، لو وجد آخر مثله أخذ بيده ودخل مثل الأول، لكنه لم يجد أحداً، فهو نصف رجل يحتاج إلى رجل ثان حتى يكمله.
إذاً فالأمر كما قال الآخر، وهو يصف مصائب المسلمين، ويتحدث عما نزل بهم، وهو أحد شعراء الشام، يذكر ما نزل بالأمة، يقول: ما لي أرى الصخرة الشماء من كمد تلوي وعهدي بها مرفوعة العنق ومنبر المسجد الأقصى يئن أسى قد كان يحدو الدنا من طهره الغدق واليوم دنسه فجر ألم به من غدر شعب اليهود الداعر الفسق وللعذارى العذارى المسلمات على أعواده رنة الموفى على الغرق لو استطاع لألقى نفسه حمماً صوناً لهن ودك الأرض في حنق وظلت الكعبة الغراء باكية وغم كل أذانٍ غم في الشنق هذه مصائبنا ثم يقول: كثرٌ ولكن عديد لا اعتداد به جمع ولكن بديد غير متسق إذاً المصائب كثيرة بعددنا، لكن نحن مع كثرتنا لا اعتداد بنا، وليس لنا مواقف صحيحة صريحة، ولا قوة ولا شجاعة، ولا شعور بقيمتنا ولا شعور بمسئوليتنا.
وأذكر بهذه المناسبة مثالاً موجوداً عند بعض الشعوب، يقول: إن المشاكل التي نعانيها صنعها من قبلنا، وسوف يحلها من بعدنا أما نحن فأبرياء إذاً فنحن ليس لنا من الأمر شيء، إن المشاكل التي نجدها الآن ونعانيها ونصطلي بنارها صنعتها أجيال سابقة، ولن نحلها نحن، إنما سوف يحلها الجيل اللاحق، أما نحن فأصبحنا بين القوسين ليس لنا من الأمر شيء، ما صنعنا هذه المشكلات، أي لم نعترف بخطئنا في المشاركة، وبالتالي ما اعترفنا بدورنا الملقى على عواتقنا في وجوب حل هذه المشكلات أو المساهمة في حلها.