ثانياً: إيجابيات الحدث: الحدث الذي جرى في الجزائر، من إلغاء الانتخابات، والقضاء أو محاولة القضاء على الجبهة الإسلامية للإنقاذ، والزج بما يزيد على ثلاثين ألف معتقل في السجون حتى امتلأت السجون ففتحت لهم المعتقلات في الصحراء وفي ظل الهجير الحار، حتى يخشى على بعضهم من الموت، وتقول تقارير موثقة إن عدد الموقوفين وصل إلى ما يزيد على خمسين ألفاً، ثم أطلق منهم قرابة خمسة عشر ألفاً، وبقي نحو خمسة وثلاثون ألفاً في غياهب السجون.
ولا زال العدد يتزايد باستمرار، فإذا كانت هذه الإحصائية التي أقولها الآن منذ أيام، مع أنه ربما زاد العدد كثيراً بعد ذلك، فهذا الحدث الذي جرى بما فيه من الحيلولة بين دعاة الإسلام، وبين تطبيق شريعة الله تعالى وحكمه، لا بد أن له إيجابيات، والخير فيما يختاره الله عز وجل، واختيار الله تعالى لنا خير من اختيارنا لأنفسنا.
فمن إيجابيات هذا الحدث: فضح دعاوى الديمقراطية العربية والغربية، التي طالما طنطنوا بها وتحدثوا عنها وقالوا إنه لا بد من فرض الديمقراطية، وأن النظام العالمي الجديد، جاء لفرض الديمقراطية على الشعوب العربية، وإخراجهم من حكم الفرد إلى الحكم الديمقراطي، والمقصود بالديمقراطية في النمط الغربي، أن يكون الحكم للشعب، فالشعب هو الذي يحلل ويحرم وهو مصدر السلطات كما يقولون.
فهذا هو المفهوم الديمقراطي في الأصل -أي: المفهوم الديمقراطي الغربي- وإن كان البعض يستخدمونها بمفهوم آخر.
المقصود أن الذي جرى في الجزائر، فضح للناس دعاوى الديمقراطية الغربية والعربية، وبين للناس أن هذه الديمقراطية ليست إلا ستاراً لتسلل هؤلاء إلى الحكم مستغلين في ذلك غفلة الناس، أو وجود الأهواء في نفوسهم، أو التغرير بهم من خلال وسائل الإعلام أو غير ذلك.
فلما كانت النتيجة خلاف ما يتوقعون؛ ذبحوا الديمقراطية بسكين الديمقراطية، وقضوا عليها.
على سبيل المثال: الغرب حجب المعونة عن السودان -وقد قرأت هذا في جريدة الشرق الأوسط- أن أمريكا حجبت المعونة عن جمهورية السودان، وعندما سألوهم لماذا حجبتم المعونة عن السودان؟ قالوا: لأن السودان بلد أصولي، أي: يعني يحكم فيه رجال أصوليون أو رجال الدين، وأن هذا البلد قامت فيه ثورة عسكرية ولم ترجع الديمقراطية على مدى ستة أشهر، وعندنا نظام وقانون أن أي بلد لا تعود الديمقراطية فيه بعد ستة أشهر من الحكم العسكري نقطع المعونة عنه.
قلنا لهم: فما بال تأييدكم للجزائر؟ وإعلان الدول الأوروبية أنها مع ما يجرى في الجزائر وتؤيد الإجراءات التي اتخذتها الحكومة في الجزائر؟! وما معنى الدعم المباشر وغير المباشر للجزائر، مع أنها أعلنت أن قانون الطوارئ سوف يظل جارياً لمدة سنة، ومع ذلك ليست القضية فقط أنه عدم إعادة الديمقراطية، بل القضاء والانتهاك لحقوق الإنسان وخاصة الإنسان المسلم دون أن يكون هناك أحد يملك المساءلة والاعتراض؟! فما بالكم تكيلون بمكيالين، وتزنون بميزانين؟ وتعاملون هؤلاء بأسلوب وأولئك بأسلوب آخر؟! القضية افتضحت وبانت، ونحن يكفينا أن يعي المسلمون حقيقة الغرب، وأن الغرب صليبي حاقد متعصب للنصرانية، يحارب الإسلام والمسلمين سراً وعلانية، ولو تظاهر بأنه غرب علماني وأن الدين لا يعنيه، ولا فرق عنده بين المسجد والكنيسة.
نقول: لا أبداً، الغرب متعصب لمسيحيته، وكنيسته، ونصرانيته أشد التعصب، وحين يشعر بأن الإسلام هو الخصم، تثور عصبيته أكثر وأكثر، وهذا أمر معروف.
ولأضرب لكم مثلاً قريباً، قد يوجد إنسان منتسب إلى الإسلام، لا يصلي الصلوات الخمس، ولا يصوم رمضان، ولا يحج، بل ربما والعياذ بالله يسب الدين وأهله، ولكن هذا الإنسان لو رأى عدواً من الخارج يهجم على قومه وبني جنسه، أو يهددهم؛ فإنه يثور ويغضب ويدافع، لا ديناً، ولكن حمية لقومه وبني جنسه الذين يشترك معهم في الانتساب الأصلي إلى الدين، ولو كان في المقاييس الشرعية خارجاً عن الدين.
فهكذا كثير من الغربيين.
قد لا يكون لهم صلة بالكنيسة فعلاً، لا صلاة ولا عبادة ولا شيء مما يعمل قساوستهم، ولكن إذا شعروا بأن هناك خطراً يهدد الكنيسة أو يهدد النصرانية، فإنهم يغضبون لذلك ويتحمسون ويتأثرون.