هذا العطاء الذي نريده منك عطاء ينطلق من موقعك، ووظيفتك، ودراستك، وسكنك، وعلاقاتك الشخصية والاجتماعية، ومواهبك وطاقاتك، ذات العمل الذي تأخذ عليه راتباً أحياناً، والعمل الذي قد تطالب بمقتضى النظام أن تقوم به، هذا العمل نفسه يمكن أن تقدم من خلاله خدمات جليلة للإسلام إذا نصحت لله تعالى ولرسوله ولعباده المؤمنين، وحرصت على أن تكون مخلصاً لله بعيداً عن الرياء والسمعة، والغش، والتزوير، والظلم، وبعيداً عن القيام بأي عمل تعتقد أنه لا ينفع المسلمين، أو أنه لا يخدم الإسلام، أو أنه ضد دعوتك ودينك الذي تدين به.
ليس المجال الوحيد هو مجال الفتيا أو القضاء، أو التعليم الشرعي، أو إلقاء الدروس والمحاضرات أو الخطب مثلاً! أبداً وهذا مجال خصب، لكن هناك مجالات أخرى كثيرة في واقع المسلمين، يستطيع المختص سواءً في المجالات الطبية، أو في مجالات العلوم الطبيعية، أو في مجالات العلوم التطبيقية، أو العلوم الإنسانية، أو غيرها، والمسلمون يحتاجون إلى كوادر وإلى أعداد هائلة من أصحاب هذه التخصصات كلها؛ حتى يتحقق للمسلمين وجود المجتمع الإسلامي المتكامل، فلا تبخل على نفسك وعلى دينك بما تستطيع.
وأنت -يا أخي- حين تقدم هذا العطاء، لن تخسر شيئاً أبداً، سوف تستمتع بما أحل الله لك، وسوف تجد الفرح والسرور والطمأنينة في قلبك، وهي عاجل بشرى المؤمن، وسوف يهبك الله تعالى من السعادة والتوفيق -حتى في أمورك الدنيوية- ما لا تحتسب، ومع ذلك فإنك يجب أن تعلم أن الدنيا ليست هي دار العطاء والجزاء، إنما الدنيا هي دار الكد والكدح والعمل، وأما جزاؤك فتنتظره في الدار الآخرة، لن تخسر شيئاً وأنت تقدم.