المعركة بين الفرس والروم

خذ مثالاً تاريخياً يقول الله عز وجل: {آلم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الروم:1-5] .

هذه الآية نزلت في مكة، وحصل فيها قصة رواها الترمذي وحسَّن إسنادها، وكذلك رواها الإمام أحمد، ورواها النسائي ورواها الحاكم وصححها، وكذلك الضياء المقدسي في أحاديثه المختارة، التي هي صحيحةُُ عنده وعلى شرطه، عن ابن عباس رضي الله عنه: [[أنه لما حصلت المعركة بين الفرس والروم، كان المسلمون في مكة، يتمنون انتصار الروم]] لأن الروم كانوا نصارى "أهل كتاب" فهم أقرب للمسلمين، وكان العرب الوثنيون يتمنون انتصار الفرس؛ لأن الفرس أيضاً وثنيون، فعندما نزلت هذه الآية، صار بين أبي بكر رضي الله عنه، وبين العرب المشركين مقاولة وكلاماً، فقال لهم أبو بكر: [[سوف ينتصر الروم على الفرس]] فجعلوا له لذلك أمداً، فقال: [[أمدكم خمس سنين]] فمرت خمس سنين وما حصل أن انتصر الروم على الفرس، فجاءوا وقالوا: يا أبا بكر، ما حصل ما وعد به صاحبك، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: {هلا جعلتها دون العشر} لأن الله تعالى قال: (( {فِي بِضْعِ سِنِينَ} [الروم:4] والبضع هو ما بين الثلاث إلى التسع، فكانت في دون العشر، وهكذا كان، فإن الله تعالى نصر الروم بعد ذلك على الفرس، فغلبت الروم، ثم غلبوا كما وعد الله عز وجل وكان غلبهم في بضع سنين {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ} [الروم:4] أي: يوم يغلب الروم الفرس {يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الروم:4-5] .

أين نصر الله؟ نصر الله في معركة بدر، فكان انتصار الروم على الفرس، في اليوم الذي نصر الله تعالى فيه محمداً صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم وأصحابه على قريش ففرح المؤمنون بنصر الله.

وQ لماذا كان فرح المسلمين بنصر الروم، أو تمنيهم لنصر الروم، على الفرس؟

صلى الله عليه وسلم لم يكن هذا لقضية اقتصادية، أو مصالح مادية، أو لأن أرصدتهم -مثلاً- سوف تزيد، كلا، كانت قضيتهم قضية الدين، فهم ينظرون إلى أن انتصار النصارى وهم أهل كتاب، يعتبر إرهاصاً بانتصار المسلمين، فهو مربوط به، فإذا انتصر الروم دل هذا على قرب انتصار المسلمين على عدوهم القريب الوثني (قريش) ومن ظاهرها وأيدَّها.

فهذه قضية تدل على مدى تفكير المسلم، وكيف ينظر إلى ما يقع حوله من الأحداث والأمور.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015