ليس شرطاً أن الأمر الذي سوف أتحدث عنه الآن، هو ما نريده من كل إنسان، فنحن لسنا مثاليين أو مغرقين في الخيال، نتوقع أن يستيقظ الناس ذات يوم فإذا بالأمة كلها قد تحولت إلى دعاة، وعلماء، ومخلصين، وصادقين، ومجاهدين، ليس هذا شرطاً.
بل نحن نقول -كما قلنا سابقاً ومراراً-: إن المطلوب من كل إنسان أن يقدم للإسلام ما يستطيع، وإن كان شيئاً يسيراً، وإن كان قضيباً من أراك، تُقدم ما تستطيع، ولكن مع ذلك نحن على يقين كالشمس، أن هذا الواقع الذي تعيشه الأمة منذُ سنين طويلة، لا يمكن أن يتغير، إلا من خلال فئة على الأقل يكون هَمُّ الإسلام هو الهم الذي يقعدها ويقيمها، هو الهم الذي يقلقها ويملأ عليها حياتها، ويسد عليها منافذها، فبه تحيا وتموت، وعليه تنام وتستيقظ، ومن أجله تحزن وتفرح، وترضى وتسخط، وتُسر وتبتئس.
فهو همها الأول والأكبر والأخير، وهذا لا يعني أنهم نسوا هموم الدنيا، فهم بشرٌ كالبشر، حتى رسل الله وأنبياؤه عليهم السلام، يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، ويستمتعون بما أحل الله تعالى لهم من الأكل والشرب والنكاح، وغيره من أطايب الحياة الدنيا، ولكن لم يشغلهم هذا عن الهم الأكبر، الذي هو هم الإسلام والمسلمين.
هذه الفئة لابد منها، وما لم توجد فمعناه أن المسلمين يدورون في حلقة مفرغة، ولا يمكن أن يخرجوا من هذه القوقعة التي يعيشون فيها.