عدم الاكتراث لما يجري بالمسلمين

فقد تتحدث مع إنسان وربما كان فاضلاً، مصلياً صائماً، تتحدث معه عن واقع يتعلق بالمسلمين، عن منكر قائم، عن مصيبة تنزل بالأمة، عن كارثة، فتجد أن هذا الإنسان يسمع ما تُلقي إليه -وقد يشاهده بعينه أحياناً- وكأنه يسمع كلاماً يتعلق بعالم آخر!! أو كلاماً تاريخياً دُوِّن في الكتب، وهو يروى له وقد حدث في القرن السادس أو السابع!! يسمع هذا الإنسان قصةً وقعت في بلد الإسلام، أن النصارى أو الوثنيين دخلوا على المسلمين وهم يصلون الجمعة، فأطلقوا عليهم الرصاص وأردوهم قتلى، قتلوا منهم في غداةٍ واحدة ما يزيد على ألفي مسلم، وفى أي مكان؟ في المسجد!! وقد رأى كثيرٌ منا هذا بعينه، رأيناه في الصور التي نُقلت وتداولها الكثيرون، فهل يتحرك في إنسان منا إحساس أو شعور؟ هل تخرج من عينه ولو دمعه صادقة؟ هل برق في قلبه ولو ألم ممض لهذا الواقع؟ كثير من المسلمين حتى من صالحيهم، يسمعون مثل هذه الأخبار، وقد ألفوها واعتادوا سماعها، فصار الواحد منهم كأنما يسمع خبراً عن عالم آخر، أو عن أمة أخرى، أو كأنما يتحدث معه المتحدث عن قضية حدثت في القرن السادس أو السابع.

هذا نموذج من نماذج برودة الإحساس وجفاف المشاعر عند كثير من المسلمين، بل إنني رأيت بعض هؤلاء، ربما يشهد هذا المشهد فلا يكتفي بأن يواجهه بقلبٍ بارد، بل ربما أطلق نكتة عابرة تجعل هذا الموضع أو هذا المشهد بدلاً من كونه مشهداً للبكاء، تنطلق الضحكات من أفواه المشاهدين على نكتة أطلقها على هؤلاء الصرعى المجندلين، على هذه الأكوام من القتلى، على هذه الأشلاء المتطايرة.

وهذا الواقع المُر ليس جديداً، بل في كل عصور الانهيار والإحباط التي عاشتها الأمة المسلمة كان يحصل مثل هذا، فيوم أن كانت البلاد الإسلامية في القرن الثامن والتاسع تعيش أصعب أيامها، وخاصة في أيام سقوط الأندلس، شكا أبو البقاء الرندي وهو يرثي بلاد الأندلس التي أخذت من عالم الإسلام وضمت إلى عالم النصارى، شكا واقعاً مشابهاً لهذا الواقع، وكان يتعجب من عدم تجاوب المسلمين مع هذه المصيبة!! فكان يقول: يا راكبين عناق الخيلِ ضامرةً كأنها في مجال السبقِ عُقبانُ وحامِلينَ سيوف الهند مُشرعةً كأنها في ظلامِ النقعِ نِيرانُ وراتعين وراء البحر في دعةٍ لهم بأوطانهم عِزٌ وسُلطانُ هل عِندكم خَبرٌ من أهل أندلسٍ فقد جرى بحديث القومِ رُكبانُ كم يستغيثُ بِنا المستضعفون وهم صرعى وقتلى فما يهتزُ إنسانُ ماذا التقاطعُ في الإسلامُ بينكمُ وأنتمُ يا عباد الله إخوانُ ألا نفوسٌ أبيَّاتٌ لها هِممُ أما على الخيرِ أنصارٌ وأعوانُ لمثل هذا يذوب القلبُ من كمدٍ إن كان في القلبِ إسلامٌ وإيمانُ وكذلك لما جاء الصليبيون إلى بلاد المسلمين، واحتلوا المسجد الأقصى، واحتلوا بلاد الشام، وفعلوا الأفاعيل بالمسلمين والمسلمات، كان أحد شعراء المسلمين يعبر عن هذا الواقع السيء، ويتكلم عن المساجد التي جعلوها أديرة، وعن المحاريب التي جعلوا فيها الصلبان، ويقول: أما لله والإسلام حقٌ يُدافعُ عنه شُبانُُ وشِيِبُ فقُل لِذوي الكرامةِ حيثُ كانوا أجيبوا الله ويحكمُ أجيبوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015