أما المظهر الرابع، وهو من أعاجيب أمراضنا التي نعيشها: فهو أنني لاحظت أن كثيراً من الناس، بل حتى -أحياناً- من إخواننا من الدعاة وطلبة العلم، من يكيلون بمكيالين مختلفين، وأضرب لك مثلاً على ذلك: قد تسمع إنساناً يتكلم عن طائفة من المسلمين في بلد ما، وما أصابهم وما نزل بهم، فيقوم وينسب إليهم أخطاءً وأنهم فعلوا وفعلوا، وأنهم ارتكبوا جنايات، وحملوا السلاح، وأنهم استخدموا العنف، ويبدأ يتكلم عن أخطاء هؤلاء المسلمين فيما يعتقد أو يزعم هو أنها أخطاء وقعوا فيها، فتجد عند هذا الإنسان الذي هو داعية أو طالب علم، تجد عنده ميلاً إلى تصديق ما ينسب إلى هؤلاء الدعاة، أو هؤلاء العلماء من الأخطاء، تصديق ما ينسب إليهم، فيحاول أن يصدق هذه الأخطاء، لماذا؟ لأنه إذا صدق الأخطاء المنسوبة إليهم، أصبح معذوراً إذا لم ينصرهم، ولم يدافع عنهم، لأن لسان حاله يقول: يستحقون، ما دام أنهم فعلوا كذا، فيميل إلى تصديق ما يقال عنهم حتى يخرج بعذر عن أن يقوم بنصرتهم، ونسي أن من خذل أخاه المسلم خذله الله تعالى في موقفٍ يحتاج فيه إلى نصرته.
هذا مكيال مع إخواننا المسلمين، لكن هذا المكيال نفسه لا يكون مستمراً مع أعدائنا، فإذا سمع الواحد منا -مثلاً- خبراً عن فسادٍ قام به الأعداء، عن منكرٍ فعلوه، عن جريمة ارتكبوها، فإنه لا يسارع إلى التصديق كما سارع في المرة الأولى، وإنما يلجأ إلى الكذب والاحتمالات، ويقول: يتثبت من هذا الأمر، ويُتأكد منه، ويُنظر في صحته، لأنه يحتمل أن يكون مزوراً، ويحتمل أن يكون ملفقاً ويحتمل ويحتمل لماذا؟ لأن هذا العمل -أيضاً- الذي هو التشكيك فيما عمله الأعداء، يعفيه من المقاومة، ما دام أنه في شك مما حصل من العدو؛ إذاً لا داعي لأن تقاوم كيد العدو، أنت -مثلاً- لم تتأكد من حصول المنكر، فلست مطالباً بتغييره، لأنه يحتمل أنه لم يحصل، ويمكن أن الذي أخبرك غير صادق، ويمكن ويمكن فيلجأ الإنسان إلى التشكيك في الخبر، لأن هذا التشكيك يجعله معذوراً إذا لم ينكر، ولم يقاوم، ولماذا لم تقاوم؟ لأن الخبر غير أكيد، نحن نحتاج إلى أن نتثبت منه، أجل، لماذا لم يكن هذا التثبت حين سمعت عن إخوانك المسلمين ما سمعت، حين سمعت عن طلبة العلم ما سمعت حين سمعت عن الدعاة ما سمعت لماذا لم تتثبت هنا وهناك؟!! وإذا كنت سوف تصدق الأقاويل والشائعات، فلماذا لا تصدقها هنا وهناك أيضاً؟ لماذا تكيل بمكيالين؟ مكيال مع إخوانك المسلمين يميل إلى تصديق كل ما ينسب إليهم، ومكيال مع الأعداء يميل إلى تكذيب ما يفعلون من أعمال ومنكرات وجرائم، حتى تكون معذوراً في الحالين.