الأدب السابع: احترام الطرف الآخر -وهذا سؤال جاء من ضمن الأسئلة- فنحن مأمورون أن ننزل الناس منازلهم، وألا نبخس الناس أشياءهم، فليس نجاح الحوار والمناظرة مرهوناً بإسقاط شخصية الطرف الآخر الذي تناظره، ولا إسقاطك لشخصيته يعني أنك نجحت في المناظرة، بل ربما يرتد الأمر عليك، ويكون هذا دليلاً على عجزك وإفلاسك، وأنك لا تملك الحجة فاشتغلت بالمتكلم عن الكلام.
والناس اليوم تعي وتعرف وتعقل، ولو أنك أسندت قولاً من الأقوال الباطلة الزائفة حيناً من الزمن بالتهويش والتشويش واللجاج والترويج؛ فإن هذا القول الذي لا يسنده الحق سرعان ما ينهار ويتهاوى بمجرد غفلة الساعين به، أو انشغالهم عنه فيموت وينساه الناس.
ولهذا كان من صفة النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث ابن مسعود الذي رواه الترمذي في كتاب البر والصلة، ورواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد وابن حبان وابن أبي شيبة والحاكم وهو حديث صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {ليس المؤمن باللعان، ولا بالطعان، ولا بالفاحش، ولا بالبذيء} فليس المؤمن باللعان، ولا بالطعان في الناس وأعراضهم ونياتهم ومقاصدهم، وأحوالهم، ولا بالفاحش ولا بالبذيء.
وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه قال: {لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشاً ولا متفحشاً، وكان يقول: إن من خياركم أحسنكم أخلاقاً} فهذا حال النبي صلى الله عليه وسلم في صفته، وهذا كلامه في وصف المؤمن أنه لا يحب الفحش ولا التفحش.
ومن بديع احترام رأي الآخرين ما ينقل عن الإمام مالك أنه لما ألف الموطأ ومكث أربعين سنة يؤلفه، وقرئ عليه آلاف المرات، وعرضه على سبعين من العلماء فأقروه عليه وتعب عليه أيما تعب، ومع ذلك لما بلغ الخليفة المنصور كتاب مالك أعجبه، وقال: إنا نريد أن نعممه على الأمصار ونأمرهم باتباعه، فقال له مالك: لا تفعل رحمك الله، فإن الناس سبقت منهم أقاويل وسمعوا أحاديث، ورووا روايات، وأخذ كل قوم بما سبق إليهم -يعني قد يسبق إليهم شيء ليس هو الحق فيأخذون به، ويصعب تغييرهم عنه، وهي أمور اجتهادية ليس فيها نصوص قطعية- قال: فدع الناس وما اختار أهل كل بلد لأنفسهم.