العاشر: اعتدال الصوت؛ فلا تبالغ في رفع الصوت، وليس من قوة الحجة المبالغة في رفع الصوت بالنقاش والحوار، بل كلما كان الإنسان أهدأ كان أعمق، ولهذا تجد ضجيج البحر وصخبه على الشاطئ والمياه الضحلة، حيث لا جواهر ولا درر، فإذا مشيت إلى عمق البحر ولجته وجدت الهدوء، حيث الماء العميق، ونفائس البحر وكنوزه، ولهذا يقول المثل الغربي: الماء العميق أهدأ، فلا حاجة إلى اللجوء إلى تبكيت الإنسان الذي تخاصمه، وإحراجه والسخرية به، إلا إذا تبين لك أنه سفيه أو لجوج أو عنيد، فحينئذٍ لا بأس أن تسقط عليه كلمة أو نكتة تجعله مجالاً للسخرية، أو تجعله يقف ولا يتكلم، مثلما ينقل: [[أن يهودياً قال لـ علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ما نفضتم أيديكم من تراب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قلتم منا أمير ومنكم أمير، فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: وأنتم ما جفت أقدامكم من ماء البحر بعد أن جمده الله تعالى الله لموسى حتى قلتم: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف:138] فبهت اليهودي وسكت]] لأن كلام بني إسرائيل هنا كفر ينقض الدين، أما كلام الصحابة: منا أمير ومنكم أمير فهو مسألة اجتهادية.
وكذلك لما ذهب حاطب للمقوقس قال له المقوقس: يا حاطب! كيف الحرب بين محمد وبين المشركين؟ قال: سجال، يدال عليهم ويدالون عليه، قال: أنبي الله يغلب؟! فقال له حاطب: وابن الله يصلب! ألستم أيها النصارى تزعمون أن عيسى ابن الله، وأنه قد صلب! فسكت ولم يحر جواباً، لأنه ألقمه حجراً! وكذلك يذكر أن الإمام الباقلاني ذهب إلى ملك الروم فدخل عليه وعنده القساوسة جالسون، فسلم عليهم الباقلاني وقال: كيف الحال، وكيف الأهل، وكيف الأولاد؟ فقال له الملك: عجيب! أنت الآن مبعوث من أمير المسلمين، وأنت أعلمهم ولا تدري أن هؤلاء لا يتزوجون، وليس لهم أولاد؟! فقال: سبحان الله! ترضون الأولاد لرب العالمين ولا ترضونها لأنفسكم! فبهتوا أيضاً ولم يجدوا جواباً.