القاعدة الثانية: عدم مناقشة الفرع قبل الاتفاق على الأصل، إذ أن مناقشة الفرع مع أن الأصل غير متفق عليه تعتبر نوعاً من الجدل العقيم إلا في حالات معينة، وأضرب لذلك مثلاً على حالات يمكن فيها مناقشة الفرع دون مناقشة الأصل.
مثلاً: لو جاءك كافر لا يؤمن بيوم الحساب، ولا يؤمن بدين الإسلام، وبدأ يناقشك في قضية حجاب المرأة المسلمة، ولماذا تتحجب المرأة؟! أو يناقشك في قضية تعدد الزوجات، ولماذا أباح الإسلام تعدد الزوجات.
فهو الآن كافر لا يؤمن بالإسلام، فهل تناقشه في مسألة تعدد الزوجات؟ أو في مسألة الحجاب؟ أو في مسألة الجهاد؟ وهذه النقاط الثلاثة -الجهاد، تعدد الزوجات، الحجاب- هي أكثر ما يثيره الغربيون عن الإسلام، ويضايقون به المسلمين والدعاة والطلاب هناك.
إذاً كيف تحاوره؟ بإمكانك هنا أن تحاوره بإحدى طريقتين: الطريقة الأولى: أن تحيله إلى الأصل، فتقول له: إن الجهاد وتعدد الزوجات والحجاب جزء من دين الإسلام، وبدلاً من أن نناقش هذه النقاط ينبغي أن نرجع للأصل وهو الإسلام فنتجادل فيه، فأجادلك في الإسلام، فإذا اقتنعت بالإسلام فحينئذٍ من باب الأولى أن تقتنع بهذه الأمور، ولا حاجة أن تجادلني فيها، وإذا لم تقتنع بالإسلام فنقاشي معك في هذه الجزئية يعتبر نوعاً من العبث الذي لا طائل تحته، فهذه طريقة.
الطريقة الثانية: أنك يمكن أن تناقشه بالحجج المنطقية في نفس الجزئيات التي يجادل حولها، فمثلاً إذا تكلم عن تعدد الزوجات، وجادلك فيها -حتى ولو كان لا يؤمن بالإسلام، فربما يؤمن بالإسلام من خلال قناعته بهذه النقطة- فتقول له مثلاً: من الثابت علمياً أن عدد النساء أكثر من عدد الرجال، وفي أمريكا نفسها أحياناً تصل نسبة النساء إلى الرجال 119:100 وأحياناً 160: 100، فستون امرأة زيادة فمن تكون؟! فإذا لم نأذن لهؤلاء الرجال بتعدد الزوجات فإن هؤلاء النساء يبقين ضائعات بلا أزواج، أو اضطررن إلى ممارسة البغاء والرذيلة! فتعدد الزوجات ضرورة لا بد منه، لأن نسبة الإناث في أكثر المجتمعات أكثر من نسبة الرجال.
ونفترض أنه لم يقتنع فعليك أن تثبت له حالات وأوضاع يكون تعدد الزوجات فيها أمراً سائغاً، وهذا قد تكلم عنه الأستاذ محمد قطب في كتابه: شبهات حول الإسلام بما لا حاجة إلى أن نطيل فيه الآن.
لكن من الطريف أن رجلاً كان يناقش مجموعة من النساء عن تعدد الزوجات، وطبعاً رفضن الاقتناع -وهن غير مسلمات- وأصررن على هذه القضية، فقال هذا الرجل للنساء لما ملَّ من طول النقاش: إن المسئول عن تعدد الزوجات النساء وليس الرجال، فدهشت النساء، وقلن لماذا؟ قال: لأنه لو أن كل امرأة رفضت أن تكون امرأة ثانية ما وجد تعدد الزوجات، -وطبعاً هذا من باب الإلزام بالحجة- وإنما المرأة وافقت أن تكون زوجة ثانية، أو ثالثة، أو رابعة، فوجد تعدد الزوجات.
ونحن المسلمون مقتنعون بأن قضية تعدد الزوجات شريعة إلهية في محكم القرآن الكريم، ولا حاجة أن نقنع أنفسنا أو غيرنا بهذا، لكن كيف تقنع الآخرين! فهذا إشارة إلى الموضوع.