والحوار والجدال والمناظرة كلها ألفاظ متقاربة لمعنى واحد، وإن كان أكثر ما جاء لفظ الجدال في القرآن الكريم على الجدال المذموم كما في قوله تعالى: {وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ} [غافر:5] ولكن جاء لفظ الجدال في القرآن أيضاً في مواضع محمودة، وهي -فيما أعلم- أربعة مواضع، الموضع الأول منها قوله تعالى: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [العنكبوت:46] فهذا جدال بالتي هي أحسن، وهو لدعوة اليهود والنصارى إلى الإسلام.
الموضع الثاني: قوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125] الموضع الثالث: قول الله تعالى: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ} [هود:74] فإبراهيم عليه السلام يجادل الملائكة! فماذا قال لهم؟ سألهم: بعثتم إليهم لإهلاكهم؟ قالوا: نعم، قال: أفيهم مائة مسلم؟ قالوا: لا، قال: أفيهم خمسون مسلماً؟ قالوا: لا، قال: عشرة مسلمين؟ قالوا: لا، قال: خمسة مسلمين؟ قالوا: لا، قال: فقوم ليس فيهم هؤلاء جديرون بالإهلاك، فهذا كما ذكر بعض المفسرين الجدل الذي حصل من إبراهيم عليه السلام.
الموضع الرابع: قوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة:1] .