المسلك الأول: الحرب، فالحرب أحياناً وسيلة لحل الخلاف، وإنهاء الخصومات، وإثبات الحجة، والواقع أن الحرب لا تصلح أن تكون هي الحل الأول في ذلك؛ إذ أننا نجد أن كثيراً من المبادئ والنظريات التي قامت على القوة، وعلى الحديد والنار، سرعان ما تهاوت وسقطت! وهذه الشيوعية اليوم هي خير شاهد، فقد دعمت بالحديد والنار، وكانت أجهزة (K.
رضي الله عنه.
G) -المخابرات السوفيتية- تلاحق المنشقين، والمعارضين والمحاربين بكافة الوسائل، وتجند مئات الألوف من العملاء؛ فضلاً عن الكثافة العديدة في القوات العسكرية لالاتحاد السوفيتي التي تعتبر أكثر من ثلاثة أضعاف القوات في الولايات المتحدة الأمريكية.
ومع ذلك كله، ومع البطش والإرهاب سقطت الشيوعية خلال أقل من ثمانين عاماً، على حين أن الوجه الآخر للحضارة المادية المنحرفة، وهو وجه الرأسمالية، ما زال حتى الآن يصارع الموج، وما زال حياً باقياً، وربما أقول قوياً ممكناً في الأرض، وليس ذلك لأنه مؤمن بالله عز وجل، ولكن لأنه سلك الأسلوب الذي يمكن التعبير عنه بأنه أسلوب ديمقراطي، على الأقل في بعض أساليبه وطرائقه ومعاملاته لشعوبه، فكان أبقى وأرسخ من النمط الشيوعي الشرقي المتعسف.
ولذلك قال الله تعالى في القرآن الكريم: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة:256] نعم قد شن المسلمون حروباً، لكن هذه الحروب لم تكن بهدف إكراه أحد على الدخول في الإسلام، بل كانت بهدف إزالة الطواغيت التي تحول بين الناس وبين الدخول في الدين وتضغط عليهم وتكرههم على ترك الدين والدينونة بالكفر وبما يريد الطواغيت.
ولم يحفظ التاريخ أن المسلمين أكرهوا شخصاً واحداً على الدخول في الإسلام، بل كان المسلمون إذا هاجموا أهل قرية أو حصن أو بلد خيروهم بين ثلاثة أمور: إما الإسلام؛ فإذا أسلموا قبلوا منهم وكفوا عنهم، فإن لم يسلموا طلبوا منهم الجزية، وأن يدينوا لحكم المسلمين، فإذا أعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون كفَّ المسلمون عنهم، وأقروهم على ما كانوا عليه، فإن أبوا؛ استعانوا بالله تعالى وقاتلوهم.
فعلى كل حال الطريقة الأولى لحل الخلافات هي طريقة الحرب.