إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا الدرس الأربعون من سلسلة الدروس العلمية العامة، التي أسأل الله تعالى أن ينفع بها، وهو ينعقد في ليلة الإثنين السابع من ربيع الثاني لعام (1412هـ) .
أحبتي الكرام: عنوان هذه الحلقة: (أدب الحوار) وبين يدي أدب الحوار ثمة أوراق متبقية من درس المجلس السابق، يسألني عنها بعض الإخوة، فقد رأوا أنني تركت في آخر الموضوع أشياء أحبوا أن يعرفوها ويطلعوا عليها، وكل ما أود أن أضيفه في الموضوع الكبير السابق -صناعة الحياة- هو أن الإعلام شرقيه وغربيه في كل بلاد الدنيا يسعى إلى تشويه صورة الدعاة إلى الله تعالى بكافة الوسائل والأسباب.
وفي مقابل ذلك فإن الدعاة إلى الله تعالى لم يقوموا بجهد يذكر في تعديل هذه الصورة التي رسمها الإعلام، إن مجرد كلامنا -أيها الأحبة- عن الدعاة إلى الله تعالى، أو عن شباب الصحوة لا يكفي، لأننا سنجد من ألد أعداء الأمة ومن ألد أعداء الإسلام، وسنجد من اللصوص الشطار من يتكلمون عن أنفسهم، أو يتكلمون عمن يحبون وعمن يوالون؛ حديثاً ربما يكون أفصح عبارة وأقوى إشارة، من حديثنا نحن عن العلماء، أو عن الدعاة إلى الله تعالى، أو عن شباب الصحوة.
إذاً: فمجرد الكلام عن الشباب والدعوة والصحوة لا يكفي، وإن كان هذا مطلوباً، كما أن مجرد انكفائنا على التاريخ، والحديث عن بطولات المسلمين السابقين، وعن عدلهم وعن إنصافهم هو -أيضاً- لا يكفي، وإن كان لا بد منه، فإن الذي ليس له تاريخ ليس له مستقبل، والذي ليس له ماضي ليس له حاضر: مثل القوم نسوا تاريخهم كلقيط عيَّ في الناس انتساباً فالأمة تحتاج إلى أن ترجع دائماً إلى تاريخها، وتستلهم منه الدروس والعبر؛ لكن لا يجوز أبداً أن يكون كل ما نملكه هو الحديث عن التاريخ، والإسراف والمبالغة في ذلك هي من عوامل الاتكاء والاتكال والبعد عن الفاعلية في الواقع، وكما قال أحد الشعراء منتقداً كثرة الحديث عن السابقين، على أننا نخالف أفعالهم وأحوالهم صباح مساء: وغاية الخشونة أن تندبوا قم يا صلاح الدين قم حتى اشتكى مرقده من حوله العفونة كم مرة في العام توقظونه كم مرة على جدار الحبن تجلدونه أيطلب الأحياء من أمواتهم معونة دعو صلاح الدين في ترابه واحترموا سكونه لأنه لو قام حقاً بينكم فسوف تقتلونه إذاً: لا يجوز أن يكون كل ارتباطنا بديننا، وكل عملنا لصناعة الحياة، هو أن نتكلم عن التاريخ ونقلب أوراق الماضي، بل لابد من إثبات عملي -بقدر المستطاع- على أن الدعاة إلى الله تعالى هم الجهة التي تفلح في إنقاذ الأمة مما هي فيه، وتصدق في وعدها مع الله عز وجل، وإذا كان أعداء الإسلام قد منوا الناس الأماني، فلما استطاعوا أن يفعلوا ما فعلوا عجزوا عن ذلك؛ فإن الدعاة إلى الله تعالى يجب أن يثبتوا للأمة -حتى وهم لا يملكون شيئاً- أن الواحد منهم يقتطع من قوته ومن قوت زوجه وأولاده ليطعم الجائع، ويكسو العاري، ويسد حاجة المحتاج.