امرأة فرعون

أما في الإسلام فشأن المرأة شأن آخر امرأة فرعون التي حكى الله عنها {إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [التحريم:11] إنها آسيا امرأة فرعون، من النساء الكوامل التي سطَّر الله ذكرها في القرآن الكريم، وذكر خبرها.

لقد تمردت على الدنيا وأعرضت عن قصر الملك وما فيه من الفتنة والمال والترف والنعيم، وقالت: لا أريد قصور الدنيا ولكن قالت: {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ} [التحريم:11] إنها لم تغتر بكونها محظية أو زوجة ملك مصر المتأله الطاغية، ولم تنخدع بزخرف الدنيا، بل تمنت الخلاص لأن قلبها يتحرق بالإيمان {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [التحريم:11] .

إنها المرأة المؤمنة التي صبرت، وكان في قلبها من القوة، لا أقول: ما يواجه زوجاً عادياً من بني جنسها أو بني جلدتها، بل ما يتحدى رجلاً طاغية، خضعت له أمم بأكملها، وذلت له رقاب الأكابر من الرجال، وكان يقول على الملأ: {أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى} [النازعات:24] فلا يقول له أحد كذبت، أما تلك المرأة فقد تمردت عليه، ورفضت فرعنته، وتسلطه، وألوهيته المدعاة، وأعلنت كفرها به، ودعت الله تعالى أن ينجيها من فرعون ومن عمله، وأن ينجيها من القوم الظالمين.

فهي نموذج للمؤمنة الصابرة، المؤمنة القوية، المؤمنة المجاهدة، المؤمنة التي هي تعد بآلاف الرجال: والناس ألف منهم كواحدٍ وواحد كالألف إن أمر عنا ثم تأملي في حال ماشطة بنت فرعون، تلك المرأة التي كانت هي الأخرى بليت بطغيان فرعون، وكانت مؤمنة موحدة ولكنها تكتم إيمانها على خوف من فرعون وملإه أن يفتنها عن دينها، فعلم فرعون أنها مؤمنة تعبد الله تعالى وحده ولا تشرك به شيئاً، فأحضرها وحقق معها، ألك رب غيري؟ قالت: ربي وربك الله رب العالمين، فأحضر قدراً من نحاس وأوقد عليه حتى أصبح أحمر يتلهّب، ثم أحضر أطفالها الصغار وقد أمسكوا بثوبها وأحدهم على كتفها، فأخذهم من بين يديها وألقى بهم في هذا القدر الذي يتلهب حتى رأتهم بعينيها والنار تحرقهم واحترق قلب الأم شفقة على الأولاد، وفي قلب الأم من الرحمة والحنان والعطف على أولادها ما فيه، ولكن الإيمان فيه أغلب وأقوى.

فرأت هذا بعينها فما قالت له انتظر ولا قالت له سأرجع عن ديني، لكنها قالت لي إليك حاجة؟ قال: وما حاجتك؟ قالت: أن تجعل عظامي وعظامهم في قبر واحد، قال: ذلك لك علينا من الحق، ثم أخذها وألقاها في هذا القدر الذي يتلهب ناراً، فلما عُرِجَ بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء شم ريحاً طيبة، فقال: يا جبريل! ما هذه الريح الطيبة؟ قال: هذه ريح ماشطة بنت فرعون.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015