التفاؤل بأن الله تعالى سوف يغير حال هذه الأمة

أختم هذا الموضوع بأن أقول: مع كل هذا ومع أنني -يعلم الله- أشعر في كثير من الأحيان بالأسف والأسى والحزن يعصر قلبي وأنا أقلب طرفي حول رحلي، فلا أرى إلا إغراقاً في الاشتغال بالجزئيات على حساب الأصول والكليات، مني ومن غيري، إلا أنني مع ذلك على ثقة كبرى، بأن الله يصنع لهذه الأمة ما عجزت وسائلنا عن صناعته، يصنع هذه الأمة بالأحداث التي سوف تنضج على أَتُّونها هذه الأمة، وتصفو عقولها، وتصح قلوبها، وتتعدل اهتماماتها؛ وذلك أن الإنسان عندما يكون مستغرقاً في قضية جزئية غارقاً فيها، لا يستطيع أن يتصور العالم إلا من خلال هذه القضية الجزئية، ولو قال له أحد: يا أخي! أنت بالغت في المسألة قليلاً؛ رأى أن هذا الإنسان على ضلال، وأنه مخطئ، وأنه يجب أن يعود إلى رشده وإلى صوابه، لماذا؟ لأن هذا همه، تربى وتكون ونبت لحمه وعظمه وعصبه وكله على هذه القضية، فصار من الصعب أن تنتزعه منها للهواء الطلق، للاهتمامات الأكبر والأوسع.

هناك شيء ممكن ينتزع، وهى الأحداث التي تضطر الإنسان إضراراً إلى أنه يفكر فيها، ويتأمل ويدرك وينظر، ومن هذه الأحداث: الأحداث التي تواجه المسلمين من عدوهم، تحديات تاريخية وقعت في الماضي وتقع الآن وفي المستقبل، في تثير مشاعر الناس، وتستفزهم، وتحركهم، هذا الإحساس لا بد أن يتجاوب مع هذه الأحداث، فترفعه هذه الأحداث عن واقعه الذي كان يعيشه، وهذا يذكرني بقصة أختم بها.

يحكى أن رجلاً كان عنده زوجة عاقة وسيئة الخلق، فكانت تطعمه شتماً وسباً له ولوالديه ولأولاده ولأسرته ولأقاربه، وربما اعتدت عليه بالضرب أحياناً، والرجل صابر محتسب؛ لأنه يظن أن الناس كلهم هكذا، وأن هذا أمر طبيعي في البيوت، أن كل امرأة لا بد أن تضرب زوجها وتوبخه في الصباح والمساء، فلذلك فهو صابر؛ لأنه لا يتصور الحياة إلا هكذا، وبعد فترة توفيت هذه المرأة، وفرَّج الله تعالى عن هذا المسكين، فتزوج من امرأة أخرى فذاق طعم الحياة، ووجد البسمة الحلوة، ووجد الكلمة الطيبة، ووجد الحديث العذب، ووجد حسن الاستقبال، مع أنه ربما في أول مرة دخل وقد جهز نفسه لتحمل ما قد يلقى من اللكمات أو الضربات، لكنه فوجئ بأن الأمر قد تغير، فما ملك هذا الرجل وقد اكتشف أن الوضع الذي كان فيه في السابق وضع خطأ، ووفاء لزوجته السابقة، إلا أن ذهب وأحرق قبرها؛ تعبيراً عن سخطه لحياته السابقة التي قضاها، وهذا المثل وإن كان أسطورة، ولكنه واقع يمكن أن يعيشه فئة كثيرة من الناس.

نسأل الله تعالى أن يبصرنا بمواطن الضعف في نفوسنا، وأن يهدينا للرشد من أمرنا، وأن يجعلنا مخلصين له.

سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015