نزلنا الكوفة بليل فنزل الأخيار على الأخيار، ونزل الأشرار على الأشرار

يذهب رجل صالح إلى بلد ليلقي فيه محاضرة، فيستقبله الخيرون في المطار، ويذهبون به إلى بيوتهم، ويطعم عندهم، ثم يذهبون به إلى المسجد فلا يرى إلا الأخيار، فإذا رجع أعطى صورة أن هذا البلد كله من الأخيار ويقول: لم أر منذ دخلت المطار إلى أن رجعت إلا الأخيار، لكنه لو ذهب إلى مدرجات الكرة، أو ذهب إلى أسواق البيع والشراء، أو ذهب إلى الشاطئ، أو ذهب إلى التجمعات العامة لرأى أمراً آخر، ولرأى الصورة الثانية التي ينبغي أن نضعها في الاعتبار ونحن نتحدث عن مجتمعات المسلمين.

إذاً: نحن نطالب بأن تكون الدعوة لجميع الناس، أنت خطيب مثلاً خاطب الناس من خلال المنبر، قد تقول: أنا لست بخطيب ولا أجيد فن الخطابة، شارك واقترح على الخطيب موضوعاً، قدم للخطيب ملاحظة، إن لم تكن هذا ولا ذاك فلتكن مستمعاً جيداً، تستمع الخطبة وتنقل مضمونها إلى الناس، تتأثر بها، تشارك في فهم معناها، في التفاعل معها.

إن لم تكن هذا ولا ذاك فقد تكون أديباً أو شاعراً أو كاتباً أو قاصاً أو إعلامياً أو خبيراً أكاديمياً أو قارئاً أو حتى خطاطاً أو رساماً، رُبّ إنسان يمكن أن يلتفت إلى الخير من خلال أنه دخل في معرض مثلاً، فرأى ما فيه من اللوحات الجميلة، لوحات تعبر عن تاريخ المسلمين وما فيه من المجد والعظمة، لوحات أخرى تتحدث عن جوانب في الكون مما ينبئ عن قدرة الله تعالى، من حفيف الأشجار، أو خرير الأنهار، أو جميل المناظر والأزهار، أو سواها، أو أخرى تعبر بصورة شرعية مباحة غير محرمة عن بعض المآسي والآلام التي يعيشها المسلمون، أو قرأ آية فتعجب منها ووقعت في قلبه.

المهم أن نحشد كل الطاقات لدعوة الناس إلى الإسلام، وألاَّ نقبل أن يكون الإسلام هماً لفئة خاصة من الناس، هذا الكلام لا يعني أبداً التقليل من دور الأفراد، فنحن نؤمن أن هناك أفراداً لهم دور خاص الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، المصلحون من بعدهم، لكن حتى هؤلاء لم يربط الدين بهم بدءاً وانتهاءً {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [آل عمران:144] .

ولهذا مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام بعده أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، انتهت دولة الخلفاء جاءت دولة بني أمية، ثم بني العباس، ثم دولة العثمانيين، فليس من المصلحة تضخيم دور الأشخاص وجعل الدولة محصورة بهم، حتى كأنهم رموز لا قيام للدين إلا بهم، لأن الأشخاص يذهبون ويجيئون، ويمرضون ويموتون، ويوقفون ويسجنون، ويستقيمون وينحرفون، لكن لو جعلنا الهمَّ همَّ الجميع؛ لكنا أفلحنا في تكسير كل الحواجز والحيلولة دون أن يفلح أحد في إيقاف مسير الدعوة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015