لو أن هؤلاء الألف مليون تبرع كل فرد منهم بريال واحد لقضية الإسلام لجمعنا في يوم واحد ألف مليون ريال نستطيع أن نفعل بها الكثير الكثير، وفي صحيح مسلم من حديث جرير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {تصدق رجل من ديناره من درهمه من صاع بره من صاع تمره، حتى قال صلى الله عليه وسلم: ولو بشق تمرة لا تحقرن من المعروف شيئاً} .
قام رجلٌ بين أظهر الناس في مسجد من هذه المساجد يدعوهم إلى التبرع، وكان فصيحاً لسناً جيد العبارة، فحرك مشاعر الناس، وألهب أحاسيسهم، فتبرعوا بما يملكون، فهذا أخرج ما في جيبه وألقى به، وهذا أخرج محفظته وألقاها، وثالث لم يجد إلا ساعته فأخذها من يده ووضعها في صندوق التبرعات، وكان من بين هؤلاء الناس رجل يتململ يدخل يده بلا شعور في جيبه فلا يجد شيئاً، يدخلها في جيبه الآخر فلا يجد شيئاً، فقام بحركة عصبية شديدة، وأخذ غترته التي كانت على رأسه، وألقى بها في ظل التبرعات، ولسان حاله يقول: ربي إني لا أملك إلا هذا، ثم أشاح بوجهه وهو يداري دمعة يوشك أن تخرج من عينه، رآه كثيرون، فتحركت أريحيتهم، فمن كان أخفى في جيبه شيئاً من المال مصروفاً للأولاد أخرجه، ومن كان تبرع ببعض ما يملك أخرج كل ما يملك معه، ومن كان تردد عزم على الإنفاق، فكان لهذا الإنسان أجر ما تصدق به، وأجر من عمل بما عمل، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم: {من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة} .
أمر آخر رآه أحد التجار فأخذ هذه الغتره وقال: من يسوم؟ فسامها رجل بعشرة ريالات، من يزيد عشرين، ثلاثين، مائة، ألف، خمسة آلاف، عشرة آلاف، حتى وصلت إلى عشرين ألفاً، وبيعت هذه الغتره التاريخية العتيدة بعشرين ألف ريال، على أن لا بسها يقول: لو بعتني أنا والغتره ما كنا نساوي عشرين ألف ريال، بيعت بعشرين ألف ريال صرفت لصالح المجاهدين في أفغانستان، وهكذا يقول المثل: الحاجة أم الاختراع.
هذا الرجل دخل المسجد مثقلاً بالديون، لم يكن يخطر في باله أنه لن يخرج حتى يتبرع بعشرين ألف ريال، بل يكون له أجر من تبرعوا إعجاباً بعمله وتأثراً به ممن لا يحصيهم ولا يعلمهم إلا الله عز وجل.