إن وسائل الإعلام العربية أصبحت تستكثر ساعةً أو ساعتين في اليوم والليلة للإسلام، مع أن الذي يستغلها ويتحدث باسم الإسلام هو ذلك المفتي الرسمي، ولكن كيف نبذل ساعتين للإسلام، ونحن ننادي بإسكات صوت المؤذن من التلفاز، لئلا يفهم أننا دولة دينية أو -كما يقولون- حكومة ثيوقراطية.
نعم لقد بلغت الجراءة والوقاحة أن يعرض شيء، نستطيع أن نعبر عنه بالجنس في قنوات تبث للمسلمين كيف؟ نعم إنهم يصورون الحيوانات وهي تتسافد وتتوالد وتتكاثر، ويصورون الأنثى وهي تخطب ود الذكر، ويصورون الذكر وهو يبحث عن الأنثى، بل وهو يقوم معها بالعملية الجنسية، ويتحرك بصورة مثيرة، وهم يقولون من خلال هذه البرامج البريئة في ظاهرها للشاب وللفتاة: إن العملية الجنسية عملية بيولوجية وفسيولوجية تتعلق بالإنسان من حيث تكوينه، وتتعلق بسائر الذكور من المخلوقات، فكما أن الجمل يتعامل هكذا مع أنثاه، وكما أن العصفور يتعامل هكذا مع أنثاه، فهكذا أيضاً يجب أن تتعامل الفتاة مع الفتى، ويعرض هذا في قنوات تلتقط في طول بلاد العالم الإسلامي وعرضها.
أما نصف ساعة لبرنامج ديني فهي كثيرة، أما الأذان في هذه الإذاعات والمحطات فهو أيضاً لا داعي له، فهو يظهرنا كما لو كنا دولة دينية، ويوجد في أوساطنا النصارى، ويوجد في أوساطنا اليهود، ويوجد في أوساطنا من لا دين لهم.
وحين تتصفح وجوه الجرائد والمجلات هنا أو هناك في أي محلٍ أو مكتبةٍ، أو بقالة سوف تجد للإثارة والإغراء والفن والحب مئات بل آلاف المطبوعات، ولا تستغرب أن تجد صوراً غايةً في الخلاعة والتبذل، أما حين تبحث عن نصيب الإسلام فستجد مجلات تعد على رءوس الأصابع، ثم حين تلج إلى داخلها تجدها تقدم نفسها على استحياء، وتجدها تتراءى أشباحاً في الظلام، وتخاف من عين الرقيب أو من مقصه، فتقول قليلاً وتسكت عن كثير، ومع ذلك فلا تعدم أن تجد صفحةً مقصوصة هنا، وملزمةً منزوعة هناك، والصوت الوحيد -ربما- الذي لا يزال يصل إلى المسلمين هو صوت المنادي في المسجد صوت الخطيب أو المتحدث، وحتى الخطبة هي في طريقها إلى التأميم لتصبح نسخةً طبق الأصل يقرؤها الجميع بلسان واحد، وهناك دعوة جادة لمحاولة جعل خطب الجمعة خطبةً واحدة توزع على الخطباء ليقرءوها من على المنابر، وحينئذ يمكن أن يقرأها حتى طالب المدرسة الابتدائية، لأن الأمر لا يتطلب أكثر من مجرد فك الحروف.