أما الذين لم ينتفعوا بالكلية فهم الكفار الذين ردوا وحي السماء جملة وتفصيلاً، وقد ذكرهم الله تعالى بقوله: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179] فهم لا يستفيدون من الآيات الشرعية ولا من الآيات الكونية، فأما الآيات الكونية، فمثل ما يرون في الكون وفي الأنفس من الآيات الدالة على وحدانيته وقدرته، وأنه هو المستحق للعبادة، فلا ينتفعون بذلك، بل ينظرون إليها، ويقولون: إنها خلقت باطلاً أو لهواً وعبثاً، كما قال الله عز وجل: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} [ص:27] فهم لا يستفيدون من الآيات الكونية ومن رؤيتهم للأرض أو للشمس أو للقمر أو للسماء أو للإنسان وما فيه من بديع الصنع.
وكذلك لا يستفيدون من الآيات الشرعية، والمقصود بالآيات الشرعية، القرآن الكريم، فهم لا ينتفعون به، ولا يزيدهم إلا خساراً، كما قال تعالى: {وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً} [الإسراء:82] فهم لا يزيدهم نزول القرآن إلا بعداً؛ لأنهم يكذبون به، وكلما كذبوا بوحي جديد زاد كفرهم، ولجوا في العناد، ولأنهم يجهدون في الرد عليه وصد الناس عنه وتحذير الناس منه، فيزدادون كفراً إلى كفرهم، وهؤلاء هم الصنف الأول، وهم الذين حرموا هداية الوحي ونفعه، وهم الكفار، وحرمانهم منه حرمان كلي مطلق، والعياذ بالله.