عدم فهم الخوارج لمعاني النصوص

الأمر الأول: أن هؤلاء القوم يقرءون القرآن، ولا يفهمون معانيه، ولا يتدبرونه، ولا ينتفعون به، بل ما وجدوا من القرآن مما يناسبهم أخذوا به، وما وجدوا مما يخالف ما هم عليه اشتغلوا بتأويله وصرفه عن ظاهر معناه، فمثلاً: إذا سمعوا قول الله عز وجل: {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى * لا يَصْلاهَا إِلَّا الْأَشْقَى * الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [الليل:14-16] قال الخوارج: هذا دليل على أن كل من عصى الله فهو كافر مخلد في النار، وأن من دخل النار لا يخرج منها، حيث قال تعالى: {لا يَصْلاهَا إِلَّا الْأَشْقَى} [الليل:15] أي: لا يصلاها إلا البالغ الغاية في الشقاء: {الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [الليل:16] .

فدل هذا عندهم على أن من دخل النار لا يخرج منها، وبذلك أنكروا خروج عصاة الموحدين من النار إلى الجنة، وهذا أمر ثابت متواتر بالقرآن والسنة، وأنكروا شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، والشفاعة أمر ثابت بالقرآن والسنة، وحكموا بكفر مرتكب الكبيرة، أو مرتكب المعصية، أخذاً بهذه الآية، وكأنهم لم يقرءوا في مقابلها قول الله عز وجل: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات:9] ثم قال في الآية التي تليها: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات:10] .

فإن الله تعالى قد أثبت للمتقاتلين الإيمان والأخوة: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الحجرات:9] فأثبت لهم الإيمان، وأثبت لهم الأخوة: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات:10] .

فدل هذا على أن الإنسان قد يقع في المعصية، ومع ذلك لا يكفر إلا أن تكون هذه المعصية هي الشرك والعياذ بالله فالشرك بالله مخرج من الإسلام، أما المعاصي فهي من أمر الجاهلية كما قال الإمام البخاري: باب المعاصي من أمر الجاهلية، ولا يكفر بها صاحبها إلا بالشرك، فالخوارج أخذوا ما يناسبهم، ويناسب مذهبهم فيما يزعمون، وهو قوله تعالى مثلاً: {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى} [الليل:14] أو {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً} [الجن:23] ونسوا قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات:10] وقوله: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة:178] وهو القاتل هاهنا والمقتول، فاعتبرهم إخوه، إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة.

بل من أصرحها قوله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] .

فهذا هو الوجه الأول في معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: {لا يجاوز تراقيهم} أي: لا يفهمون معانيه ولا يتدبرونه ولا يعملون به.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015