Q يسأل هذا السائل عن قضية حكم إنكار المنكر، وأورد حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: {من رأى منكم منكراً فليغيره بيده} الحديث ويقول الله: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل:125] فهل من رأى منكراً وهو يستطيع أن يغيره فلم يغيره عليه إثم؟
صلى الله عليه وسلم أقول: أولاً: يجب أن نفرق بين الدعوة: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل:125] وبين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلعل مفهوم الدعوة أوسع من مفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقد تدعو إنساناً وإن لم تر عليه خطأً، وقد تدعوه ابتداءً إلى أمر من أمور الدين، وقد تدعو الناس عموماً وتشرع لهم ما يهمهم من دينهم، وإن كنت لا تعلم منهم تقصيراً في ذلك أو إخلالاً به، فهذه دعوة.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يكون لمن قصّر بالإتيان بالمعروف، أو فعل أمراً منكراً، فيجب على من رآه الإنكار عليه، فينكر بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه.
وهنا أحب أن أنبهكم -أيها الإخوة- إلى أنه لا يمكن أن يوجد مؤمن على ظهر الأرض يرى المنكر -ويعلم أنه منكر- فلا يتحرك قلبه البتة، فإذا كانت رؤيته للمعروف ورؤيته للمنكر سواء، فهذا ليس بمؤمن- والعياذ بالله، فأقل مراحل الإنكار هو أن يكره قلبك هذا المنكر، ويعلم الله أنك كاره له.
أما هل يجب على الإنسان أن يغير: فليس بعد قول الرسول صلى الله عليه وسلم مقال لأحد، فيغير بحسب ما يستطيع، وبحسب الظروف التي تحيط به، ولكن قد يكتنف المنكر ظروف تجعل الإنسان يفكر قبل أن يغير، فإن كان يترتب على التغيير منكر أكبر فلا يجب التغيير، كما مر معنا في قصة الأعرابي الذي بال في المسجد، فهو فعل منكراً ومع ذلك لم يغيره الرسول صلى الله عليه وسلم في البداية؛ لأن التغيير المباشر كان يترتب عليه أن يلوث المسجد كله، وكان يترتب عليه أن يحبس هذا الرجل بوله وهذا يضر به؛ إضافة إلى أنه يترتب عليه كراهية هذا الرجل للدين وأهله، فإذا ترتب على النهي عن المنكر منكر أكبر منه حرم التغيير، وإذا ترتب عليه منكر مثله فهذا مجال اجتهاد، وإذا ترتب عليه منكر أصغر منه، أو لم يترتب عليه منكر وجب التغيير، ولشيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله كلام في ذلك يمكن الرجوع إليه والاستفادة منه.