قصة عبد الله بن عمرو بن العاص

وهناك صحابي جليل مشهور، وهو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، فقد زوجه أبوه، فسأل أبوه زوجته يوماً: كيف حال عبد الله معك؟ وكانت امرأة ذكية، فقالت: نعم الرجل عبد الله! لم يطأ لنا بساطاً، ولم يكشف لنا كنفاً، تقول: نعم الرجل! إنه لم يقترب مني، وهذا لحن معروف، لأن الرجل رضي الله عنه كان مشغولاً بالعبادة، يقوم الليل، ويصوم النهار، فبلغ ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم ولنترك عبد الله بن عمرو بن العاص يحدثنا عن قصته.

يقول: {كنت أصوم الدهر، وأقرأ القرآن كل ليلة، قال: فإما ذكرت للرسول صلى الله عليه وسلم، وإما أرسل إلي فأتيته، فقال لي: ألم أخبر أنك تصوم الدهر وتقرأ القرآن كل ليلة؟ قلت: قلت بلى يا نبي الله، ولم أرد بذلك إلا الخير -كأنه يعتذر بهذه الكلمة، لأنه علم من ملابسات الحال أن الرسول صلى الله عليه وسلم أحضره، أو أراد أن يناقشه فيما فعل على سبيل تعديل هذا الأسلوب في العبادة- فقال له صلى الله عليه وسلم: فإن بحسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام، قلت: يا رسول الله، إني أطيق أفضل من ذلك، قال: فإن لزوجك عليك حقاً -فلا يجوز للإنسان أن يفرط في حق من هذه الحقوق، بل يجب أن يؤدي حق الجسد وحق الزوج وحق الناس، إضافة إلى ما يقوم به من العبادة بصورة ميسرة- ثم قال له صلى الله عليه وسلم: صم يوماً، وأفطر يوماً، وهو صيام داود عليه الصلاة والسلام فإنه كان أعبد الناس، قلت: يا رسول الله، إني أطيق أفضل من ذلك، قال: لا أفضل من ذلك، قال: واقرأ القرآن في كل شهر، قلت: إني أطيق أفضل من ذلك، قال: فاقرأه في كل عشرين، قلت: أطيق أفضل من ذلك، قال: فاقرأه في كل عشر، قلت: أطيق أفضل من ذلك، قال: فأقرأه في كل سبع ولا تزد على ذلك -ثم كرر عليه صلى الله عليه وسلم الملاحظة التربوية بقوله- فإن لزوجك عليك حقاً، ولزورك عليك حقاً، ولجسدك عليك حقاً، يقول عبد الله بن عمرو بن العاص: فشددت، فشدد علي، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قال له: فلعله أن يطول بك عمر} وفعلاً طال بـ عبد الله بن عمرو بن العاص وتمنى أن يكون قد قَبِلَ رخصة النبي صلى الله عليه وسلم التي رخصها له، لكنه كره: أن يغير أمراً فارق عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فكان إذا تعب أفطر أياماً متتالية، ثم يقضيها ويصوم مثلها، ويقول: {وددت أني قبلت رخصة النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما شددت فشدد علي} .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015