أولاً: الجهل بالدين؛ لأن العالم بالدين لا يشدد على الناس فيما لم يشدد الله به عليهم، ويعلم أن قضية التيسير والتشديد ليست بالهوى ولا بالرغبة، ولا بمراعاة الطبائع؛ إنما هي باتباع النصوص، فالله تبارك وتعالى لم يجعل في هذا الدين مقالاً لقائل؛ بل أنزل الدين وأتمه وأحكمه، وبيَّن فيه الحلال من الحرام، فما حرم الله فهو الحرام، وما أحل فهو الحلال، وما سكت عنه فهو عفو، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم يقول حين سمع أن علياً ابن أبي طالب يريد أن يتزوج ابنة أبي لهب، وكانت تحته ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: {لا تجتمع ابنة نبي الله، وابنة عدو الله في بيت واحد، ثم قال: أما إني لا أحرم الحلال} أي: إن أمر تعدد الزوجات أمر أباحه الله ورسوله، فلا يحرمه أحد بعد ذلك، وهكذا شأن البشر من الصحابة رضوان الله عليهم وغيرهم لم يكن من شأنهم أن يتدخلوا في تحريم حلال أو تحليل حرام؛ إنما كان شأنهم نقل الدين كما أنزله الله، ولو تدخلوا فيه بأهوائهم تيسيراً أو تشديداً لما كان هو الدين المنزل من عند الله، وللعبت به أهواء البشر، وإنما كان شأنهم أن ينقلوا هذا الدين إلى الناس كما أنزله الله وكما بينه رسوله صلى الله عليه وسلم.
فالجهل بالدين هو السبب الأول من أسباب التشدد فيه.