السبب الرابع: هو ما أشرت إليه في مقدمة هذا الحديث، وهو ردة فعل كثير من الناس ضد الفساد المنتشر، وانفتاح الدنيا على الناس، واستغراق الناس أو أكثرهم في ألوان الترف والنعيم، وتشمل ردة الفعل -أيضاً- أمراً آخر، فإننا نجد كثيراً من الناس -وخاصة الشباب- تشطح بهم أهواؤهم، فيبتعدون عن الطريق، ويقيض لهم قرناء من رفقة السوء فيضلونهم ضلالاً بعيداً، فقد يصحو هذا الشاب يوماً من الدهر فيجد نفسه في وضع سيئ، ويذكر أن أمامه الموت والبلى، والجنة والنار والحساب، فيستيقظ ضميره فيقبل على الله ويتوب إليه، وهنا يشعر هذا التائب أنه لا يكفيه أن يكون مثل الناس مستقيماً على الدين، إنما يشعر أنه لا بد أن يعوض عمَّا فقد، فإن وفق بأهل سنة وطاعة واتباع دلوه على الطريق المستقيم وحذروه من كلا طرفي قصد الأمور، وحذروه أن يكون منتقلاً من التساهل إلى التشدد، وكلاهما شرٌ، وطلبوا منه أن يكون معتدلاً على الجادة؛ لا أقول التي عليها عوام الناس؛ بل الجادة التي كان عليها الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.