التشدد في العقائد

القسم الأول: التشدد في العقائد، وذلك كمن يبالغ بالتنقير والتنقيب عن قلوب الناس، ويتشدد في الألفاظ والعبارات، ويتعمق في بحث مسائل مسكوت عنها، لا طائل من البحث تحتها، ولقد كان سلف هذه الأمة، وخاصة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، كما وصفهم من خبرهم وعايشهم، قال: فلقد رأيتهم أقل الناس تكلفاً، وأبعدهم عن التشدد، وأقربهم إلى التيسير، كانوا يقرءون القرآن، ويقرءون الحديث، فيؤمنون بذلك على ظاهره إيماناً حقيقياً، كما يليق بجلال الله وعظمته، دون أن يدخلوا أنفسهم في المتاهات التي أدخل علماء الكلام أنفسهم فيها، فضلوا وأضلوا، ورجعوا من حيرتهم بخفي حنين، حتى قال قائلهم بعد أن أمضى عمره في البحث عن تلك المسائل التي لا فائدة منها يقول: نهاية إقدام العقول عقال وأكثر سعي العالمين ضلال وأرواحنا في وحشة من جسومنا وغاية دنيانا أذى ووبال ولم نستفد من كدنا طول عمرنا سوى أن جمعنا فيه قيل وقال وهذه خبرة رجل قضى عمره في هذا العلم، وهذه نتيجته، وهذه غايته.

وهذا الرازي يقول: لقد تأملت الطرق الكلامية، والمسالك الفلسفية، فما وجدتها تشفي عليلاً ولا تروي غليلاً، فوجدت أقرب الطرق طريقة القرآن، اقرأ في النفي قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] واقرأ في الإثبات قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] .

إذاً: الطريقة الوسط الميسرة في العقائد هي طريقة القرآن والسنة، لا تتكلف ما ليس لك به علم، ولا تتعمق في البحث عن مسائل لم يأتِ بها نص عن الله ولا عن رسوله صلى الله عليه وسلم، وآمن بالله وبما جاء عن الله وبالرسول صلى الله عليه وسلم وبما جاء عنه على مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا تأويل ولا تعطيل ولا تشبيه ولا تمثيل.

وكثيراً ما تجد بعض المبتدئين في العلم، بل بعض العوام الذين يجالسون بعض العلماء، يدخلون أنفسهم في أمور العقائد، وينفون ويثبتون، ويتكلمون في قضايا لم يتكلم فيها السلف، كما تجد كثيراً من الناس يبالغ في السؤال عن الناس، هذا عقيدته صحيحة، وهذا لا أصلي خلفه حتى أسأل عن عقيدته، وهذا لا بد أن أختبره.

وقد أنكر السلف على من هذا مسلكه، وقالوا: الأصل في المسلم الستر والصيانة، فإن ظهر لك منه ما يدل على انحرافه، أو ضلاله فهذا أمر آخر، أما أن أُنقب عن الناس وعما في قلوبهم وأختبرهم، وإلا أتبرأ منهم، بل قال بعضهم، الأصل في هؤلاء عدم البراءة حتى تثبت براءتهم، وهذا مسلك خطير، ومخالف لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.

{كان يأتيه الأعرابي فيقول: يا رسول الله، رأيت هلال رمضان، أو هلال شوال، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله؟ فيقول: نعم، فيقبل شهادته} وهكذا مسلك التيسير والتسهيل، وتجد أصحاب هذا المسلك ممن خففوا فخفف الله عنهم ووافقوا السنة، وعاشوا بارتياح، وهكذا كل من اتبع السنة تجده مرتاحاً في حياته الدنيا قبل الآخرة.

أما أصحاب المسلك الآخر المتشددين، فتجدهم دائماً في تعب وجهد وفي شك وتردد.

يقول أحدهم: صلاة صليتها خلف فلان أريد أن أعيدها فلان، لا أصلي خلفه؛ لأني لا أدري عنه شيئاً! شددوا فشدد الله عليهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015