ولهذا فإن طالب العلم ينبغي أن يوطن نفسه منذ بداية طريق الطلب أن يكون عالي الهمة، صبوراً في تحصيل العلم، وأن يتعود على أن يثني الركب في طلب العلم وتحصيله، ويصبر على هذا الأمر، كما نبهنا الله تعالى إلى ذلك في قصة موسى والخضر عليهما السلام، حيث قال موسى للخضر: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً * قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} [الكهف:66-67] فبين الخضر أن الصبر ضروري لمن يريد أن يتعلم الرشد، فكان جواب موسى: {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً} [الكهف:69] لا بد من الصبر! ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد في الصحيح: {ومن يتصبر يصبره الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يستعفف يعفه الله، وما أعطي أحدٌ عطاءً خيراً وأوسع من صبر} .
اصبر على طلب العلم، وإلا فنحن نجد في كل مكان أنه حين يبدأ درس -مثلاً- قد يحضر هذا الدرس -ربما- مئات من الناس، لكن هؤلاء لماذا حضروا؟ هل حضروا فعلاً وهم يعرفون لماذا جاءوا؟ أم أنه يريدون أن يستطلعوا الأمر أول مرة فقط، ثم ينصرفوا بعد ذلك إلى شغلهم؟ فبعد فترة تجد أنه يصفو من هذا الجم الغفير أعداد قليلة، وهذا يكفي؛ لأنه ليس مطلوباً أن يكون الناس كلهم علماء ومتخصصين في علوم الشريعة {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة:122] يكفي أن يوجد طائفة من الناس في كل بلد تتفرغ لطلب العلم الشرعي وتحصيله؛ لتكون مرجعاً يرجع الناس إليها في العلم والفتيا والحلال والحرام، المهم وجود الصبر والدأب والاستمرار حتى يحصل الإنسان على ما يريد أو على بعض ما يريد.
جعلني الله وإياكم ممن عَلِمَ وعمل وعلَّم، فذلك يدعى في ملكوت السموات كبيراً، كما قال الفضيل بن عياض رضي الله عنه وأرضاه.
وأستغفر الله لي ولكم، وأصلي وأسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.