ذكر الشر إجمالاً

وهذا أمرٌ عجيب، فأولاً: هذه الكتب فيها المناقب والفضائل، ولكن لا تجد فيها المثالب والمعايب، فإن العلماء لم يتجهوا إلى جمع مثالب الناس، مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم تكلم في حق بعض الأشخاص، وقد جاءه رجل، فقال: {ائذنوا له، بئس أخو العشيرة، فلما دخل هش الرسول صلى الله عليه وسلم في وجهه وبش، فلما خرج قالت عائشة: يا رسول الله! قلت فيه ما قلت، ثم استقبلته فقال: يا عائشة! إن من شر الناس منزلةً عند الله تعالى من تركه الناس اتقاء فحشه} فهذا ذمه الرسول صلى الله عليه وسلم وذم غيره، ولكن العلماء لم ينشطوا إلى جمع هذه العيوب والمآخذ والمذام التي قالها الرسول صلى الله عليه وسلم في حق بعض الناس، وذلك لأن المسلم كريم فاضل نبيل طيب النفس، فهو ينظر إلى المحاسن أكثر مما ينظر إلى المساوئ، وينظر إلى الجوانب الإيجابية أكثر مما ينظر إلى الجوانب السلبية، فليس همه أن ينظر إلى الناس، ويبحث عن عوراتهم وسوءاتهم وزلاتهم، ثم يجمعها ويحشدها في حيزٍ واحد من أجل أن يحطم بها فلاناً، أو ينتقص بها من علان، إنما همّ المسلم ذكر الخير والثناء به على من هو أهله، وأما الشر فإنه يذكره إجمالاً، ولا يفصل فيه، ولا يجمعه في حيزٍ واحد.

فهو يذكر الخير تفصيلاً، وأما الشر فيذكره إجمالاً.

لماذا أثنى الرسول صلى الله عليه وسلم على هؤلاء الناس الذين أثنى عليهم؟ أولاً: لأن هذا الثناء هو أحد وسائل التعبير عن الرضا عن عملٍ قاموا به، أو قولٍ قالوه، أو اجتهاد اجتهدوه، وهو بالتالي حثهم على المواصلة على الخير، فإن الإنسان دائماً وأبداً بحاجةٍ إلى الحث والترغيب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015