أهمية الثناء على من يعمل الخير

هب أن إنساناً يعمل في إدارة حكومية، ويبذل وسعه وجهده، ثم يجد أن المدير لا يلتفت إليه، بل يوبخه دائماً وأبداً، ولا يهتم بما بذل، ويساويه بغيره، فستجده بعد فترة وقد فَتَر، وقال: أنا مثل غيري ولا داعي للاجتهاد، لكن لو أن هذا المدير كان ذكياً حكيماً، فقام وكتب خطاب شكر إلى هذا الموظف على الجهد الذي يقوم به، وقال فيه إننا نلاحظك؛ لوجدت أن هذا الخطاب -وهو لا يعدو أن يكون ورقة وبضعة أسطر وكلمات لا تكلف شيئاً- يكون له وقعٌ كبير على نفسية هذا الموظف.

فالإنسان ليست حاجته -أحياناً- إلى أن تعطيه مالاً أو جائزة، وإنما مجرد التعبير عن الارتياح والشكر والثناء على عملٍ قام به يدعوه إلى مزيدٍ من البذل والمشاركة.

ثانياً: أن هذا من العدل، فكما أن من المطلوب أن يقال للمسيء: أسأت، فالمطلوب -أيضاً- أن يقال للمحسن: أحسنت، وأن يثنى عليه، حتى يقلده غيره في عمل الخير.

وثالثاً: أن هذا كان نتيجة الاطمئنان على أن المدح لا يغير من أحوالهم شيئاً -أي لا يضرهم- فالرسول صلى الله عليه وسلم حينما قال: {خير فرساننا أبو قتادة، وخير رجالتنا سلمة بن الأكوع} كان يعلم صلى الله عليه وسلم أن هذا المديح وهذا الثناء لا يضر أبا قتادة أو سلمة بن الأكوع، ولا يجعلهم يغترون بأنفسهم، أو يعجبون بهذا العمل الذي قاموا به، بل سوف يزيدهم إقبالاً على العمل الصالح، وحرصاً على الخير، وعلى البذل في سبيل الله عز وجل.

ولهذا متى ما رأيت أن المدح والثناء والشكر يضر هذا الإنسان فتجنبه، ولذلك بوب البخاري في صحيحه في كتاب الأحكام: (ما يكره من ثناء السلطان) وذلك أن الثناء على السلاطين عادةً ما يكثر، ويكون الناس حريصين عليه رغبةً أو رهبة، فيكون هذا سبباً في أن السلطان يستوحش من الناصحين، لأنه تعود ألا يسمع إلا الثناء والمدح بالحق والباطل والمبالغات، فإذا جاء إنسان يقتصد في المديح لم يعجبه، لأنه لم يقل الكلام الذي تعود أن يسمعه، وإذا جاء إنسان ينصح لم يعجبه أيضاً؛ حيث أن الناس كلهم يمدحونه وأنت وحدك الذي لم تمدحه، وإنما اتجهت إلى النقد والنصيحة، ولهذا يستوحش، من الناصحين: {وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف:79] فلا يَمْدَح عندما لما يكون المدح سبباً في ترك النصيحة، والإعراض عنها وكره أصحابها.

ويكون المديح أيضاً حتى يُعرف لأهل القدر قدرهم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم حينما يقول عن أبي بكر وعمر وقد أقبلا: {هذان السمع والبصر} ويشير لأصحابه أن هؤلاء من أخص أصحابي، فاعرفوا لهما قدرهما، لا تؤذوهما ولا تتعرضوا لهما، وقدموهما حينما يكونا موجودين، ولذلك لما تكلم بعض الصحابة، وحصل بينهم وبين أبي بكرٍ كلام غضب النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: {هل أنتم تاركو لي صاحبي؟} يعني أبا بكر رضي الله عنه وأرضاه، وأثنى عليه الثناء الذي جعل الصحابة يعرفون أنه هو الأحق بالخلافة من بعده، وقد أمهم رضي الله عنه بالصلاة حينما مرض النبي صلى الله عليه وسلم.

إذاً: فالمدح حتى يعرف الناس لهم قدرهم ومكانتهم، فلم يكن المدح مجاملة كما يفعله البعض، كلا! وحاشى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجامل أحداً، وهو الذي كان يواجه الناس بالنصيحة، نعم لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يواجه أحداً بما يكره في وجهه وفي ذاته، ولكنه كان يقول الحق، فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: {إن آل بني فلان ليسوا بأوليائي -وذكر قبيلة من قريش أو حياً من قريش- إنما ولييّ الله وصالح المؤمنين} .

ومن العجيب أن العلماء والمحدثين، بل والرواة لم يذكروا اسم هؤلاء (آل بني فلان) بل ذكروه على سبيل الإبهام والإجمال، وذلك لأنه في مقام الذم، وهذا دليل على كرم المسلم، وكرم العالم والمحدث، وبعده عن التعرض للناس والوقوع في أعراضهم والولوغ فيها، ولأن هذا لا يليق بالإنسان الفاضل الكريم، فنقلوا الحديث، وتركوا مكان فلان بياضاً، لا يدرى من هو، أو قالوا آل بني فلان، ولذلك اختلف العلماء في المقصود بهذا الحديث.

ومثله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال مرة: {خير دور الأنصار بنو فلان، فجاء بعضهم، وقالوا: يا رسول الله! ذكرتنا آخراً! قال: بحسبكم أن تكونوا من الأخيار} أي: يكفيكم أن تكونوا من المعدودين، ولو كنتم في آخر المعدودين من الفضل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015