القصة الأولى

أذكر نماذجاً يسيرة من ذلك، من هذه النماذج: يقول أحد الشباب: لم يكن يخطر في بالي طرفة عين أنني من الموسوسين، وكيف أكون موسوساً وأنا أعالج بعض حالات الوسواس؟! ويتردد إلي بعض حالات الموسوسين، ويشفون بإذن الله تعالى، لكن كان يحدث عندي شيء أشبه ما يكون بسلس البول تقريباً، فأحس بخروج شيء قليل من البول أحياناً، خاصة بعد الوضوء، وكان يؤذيني هذا كثيراً، وكان يضع على عضوه شيئاً ويشده، ثم يخرج معتبراً نفسه أنه ليس بموسوس، ومعتبراً نفسه أنه مصاب بالسلس، وظل على هذا سنين، بعد ذلك تضايق من هذا الأمر؛ لأنه يحتاج إلى أن يمكث في المسجد فترة طويلة ولا يخرج فيحرجه أن يخرج، فيقول: فذهبت إلى الأطباء وعملت الفحوص اللازمة، فقالوا: إنه سليم، وجميع جهازه البولي ليس فيه أي أمر يستنكر، وقال له الطبيب: قد يكون عندك نوع من الوسوسة، فقال له: كلا.

ليس عندي شيء من الوسوسة -بحمد الله- بل أنا طبيعي جداً، وربما أكون أميل إلى التفريط والتساهل مني إلى الوسواس والتشدد، قال له الطبيب: إذا لا شيء فيك ولا أعلم شيئاً.

فلم يقنع بل ذهب إلى طبيب آخر أعلم وأكبر، أجرى له فحوصات، وأشعة ملونة، وأشياء كثيرة جداً، واعتنى بالموضوع أشد العناية، وأوقفه بنفسه على الأمر، وإذا بالرجل سليم تماماً، وليس فيه شيء أبداً، ويفسر ما يظن أنه شيء من السلس، وبعد ذلك كله حين وقف أمام الحقيقة وجهاً لوجه، والرجل لم يكن فعلاً موسوس بالصورة المخوفة، لكن كان فيه شيء من ذلك فيما يبدو، فلما وقف على الحقيقة بنفسه، أصبح لا يلتفت إلى هذا الأمر، ولا يتوضأ لكل صلاة، ولا يضع على ذكره شيئاً، وهكذا زال عنه الأمر، وزال ما كان يخافه، والسبب في ذلك -والله تعالى أعلم- أن شدة الخوف من خروج شيء، يكون سبباً في خروج شيء فعلاً.

فكون الإنسان يخاف، قد يكون سبباً في استرخاء العضلات والأعصاب، فإذا ذهب ينظر ربما يجد شيئاً، وهذا الشيء الذي خرج لست مطالباً أن تنظر هل خرج أو لم يخرج، ولو خرج وأنت في طريقك، وفي سبيلك، وصليت دون أن تفكر فيه، أو تلتفت إليه لا يضرك ذلك ما دام أنك ما علمت يقيناً بخروجه، لكن لما ذهبت وقلت: أتحقق وأتأكد بنفسي، ثم نظرت وربما مع تحريك الذكر، ومع شدة الاهتمام، أو شد الأعصاب خرج شيء فصار عند الإنسان هم، وهكذا تضاعف هذا الهم، حتى تحول إلى أنه يظن أنه مصاب بسلس البول، وبعد سنين اكتشف أن الأمر كله لا يعدو أن يكون حيلة محبوكة من الشيطان الرجيم، وفي هذا عبرة في الواقع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015