وقد أتاني أحد الشباب -ولعلي أشرت إلى قصته إشارة عابرة- يشتكي من الوسواس، فجلست معه جلسة مختصرة لضيق الوقت، وكثرة من يرغبون في مثل ذلك، والمشاغل لا تسعف ولا تسمح بهذا أبداً، فجلست معه وبعد توجيه ومناصحة، قلت له بقوة وحدة: إذا عملت بهذه النصائح فيمكن أن أستقبلك بعد أسبوع، وإذا لم تعمل بها فأرجو أن يكون طريقك على غيري، ولا تشغلني وتشغل نفسك، وتضيع وقتي وتضيع وقتك، وأنا ما عندي إلا كلام واحد هو ما قلته لك، فإن نفع فيك، فيمكن أن ننتقل إلى غيره، وإلا فابحث عن غيري.
بعد أسبوع أتاني وهو يقول: هذه المرة فقط أرجو أن تجلس معي وتفرِّغ لي ولو نصف ساعة، وأمام إلحاحه، قلت له: أفرغ لك نصف ساعة، لكن ثق ثقة تامة أنه إن تكرر الأمر فإنه ليس لدي أي وقت لتكرار مثل ذلك، فجلس عندي نصف ساعة، وشددت من عزيمته، وشحذت همته، وأكدت عليه الأمر، وخرج من عندي وهو مصمم ومصر على أن يتخلص من هذا الوسواس، ويقوم بما أشرت إليه قبل قليل من هذه الحملة التطهيرية الواسعة على نفسه، وعلى شيطانه، وأن يعمل كما يعمل الناس، وقد فعل ذلك، وبعد فترة ليست بالطويلة -والله- لقد آتاني، وكأنه لم يصبه شيء، ويقول -سبحان الله- ما أسهل الأمر! مجرد قشر رقيق يحتاج إلى شجاعة لتمزيقه، وبعد ذلك يخرج الشيطان، ويغادر إلى غير رجعة.
وفي مقابل ذلك لا أستطيع أن أتجاهل حالات أخرى، حيث أتاني أناس آخرون في مثل ذلك، وأكثروا من التردد، وكان الواحد منهم يجلس معي ربما ساعات، وبعدما يخرج ينفذ ما في نفسه، ولا يلتفت إلى ما يقال، فمثل هؤلاء أعرف أنهم منذ سنين طويلة وهم على ما كانوا عليه، بل لا يزداد الأمر بهم إلا شدة، وأعتقد أن مثل هؤلاء: العلاج لا يمكن أن يأتيهم من خارج أنفسهم، إلا أن يكون من الله عز وجل: {إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف:87] .